٭ عندما طالعت قصة متقاعدي أو معاشييها كما يفترض أن يكونوا.. طرق خاطري حكاية «البحث عن القطة السوداء في الظلام» وتدامج معها على الفورالنذير والهدي الموروث الشهير: «الظلم ظلمات».. فمهما شطح الخيال بالمرء لا يمكنه تصور ما حدث لهؤلاء القوم.. وهم بالآلاف.. في ظل دولة معاصرة أو حديثة لديها من المؤسسات العدلية والنظم الدستورية والقوانين المرعية ما لدى جميع شبيهاتها من دول المنطقة أو العالم. ٭ قصة متقاعدي البنوك طويلة، استغرقت من الوقت حتى الآن عقداً ونصف عقدٍ من الزمان، ولكن على تطاولها فهي قضية واضحة وبسيطة.. وهذا بالضبط مثار الدهشة فيها.. أختصر ما طالعته عنها، وعلى لسان المظلومين كما أدلوا بها لبعض الصحف، ومنها مما لا يمكن اتهامها بالتحامل على الحكومة.. اختصرها في النقاط التالية: ٭ في العام (2000) أصدر مجلس الوزراء قراره رقم (1110) بإيعاز من محافظ بنك السودان السابق صابر محمد الحسن القاضي بوقف مستحقات متقاعدي ستة بنوك بما فيهم البنك المركزي ذاته. ٭ المعاشيون توجهوا للقضاء بمختلف درجاته حتى المحكمتين العليا والدستورية، فحكمتا لصالحهم وأكدتا حقوقهم القانونية. ٭ ظل المتقاعدون يحملون الحكم وحيثياته ويعرضونها على الجهات المختصة بغرض التنفيذ، ولكن لا حياة لمن تنادي.. بما في ذلك رئاسة الجمهورية، ممثلة في النائب الأول السابق، ولجنة الحسبة والمظالم، ومفوضية حقوق الإنسان.. ولم يبق لهم إلا رئيس الجمهورية «شخصياً» والمجلس الوطني «البرلمان» كآخر محاولاتهم لتنفيذ الحكم الصادر من قمة الهيئات القضائية في البلاد. ٭ هؤلاء المتقاعدون البالغ عددهم أكثر من ثلاثة آلاف.. قضى منهم نحبه منذ أن بدأت «الملاواة» وحتى الآن أكثر من (400) ومنهم من ينتظر.. أي نحو (2600) يتقلبون على جمر الانتظار في هذه القصة التي يقول ظرفاء المدينة (آخره لسه). ٭ الامتيازات أو«الحقوق» المقررة لمتقاعدي البنوك.. التي هي- للأسف- جميعها حكومية هي الحق في الضمان والتأمين الاجتماعي.. كبديل «متواضع» للتأمين الاجتماعي الشامل المتمثل في معاش نهاية الخدمة.. علماً بأن الدول المحترمة التي ترعى حقوق مواطنيها حق رعايته تقدم الضمان الاجتماعي هذا للعاطلين عن العمل وحتى المهاجرين! ٭ الجمعية العمومية الطارئة التي عقدها هؤلاء المظلومين- بآخر اعمارهم- ألمحت الى أنها قد تلجأ لجهات أخرى خارج السودان من أجل إحقاق حقوقهم، إذا واصلت الدولة ممثلة في بنوكها ومؤسساتها القانونية والسيادية التجاهل.. بمعنى «تدويلها» كحل أخير.. فهناك منظمات عمل دولية هذا شغلها. ٭ لكن القصة على هذا النحو تثير سؤالاً بل مسألة في غاية الخطورة هي: هل المنظومة القضائية والعدلية لبلادنا تعاقب من يمتنع عن تنفيذ الأحكام القضائية النهائية بغض النظر عن موقعه أو نفوذه أو حصانته المفترضة، أم أن الحكاية «مطلوقة» واختيارية.. كما نرى في حالة هؤلاء المظاليم؟!!. ٭ أخيراً نقول لصناع القرار الاقتصادي والعدلي في هذه الدولة السَنِية أن انصاف هؤلاء الثلاثة آلاف مواطن لن تزيد الحال سوءاً وتردياً بأكثر مما هو عليه الآن.. وكما يقول أهلنا «الفضيحة والسترة متباريات».. فاستروا حالكم وانصفوا هؤلاء الغلابة من مواطنيكم.. يرحكم الله.!!