أصبحت الزراعة مهنة طاردة بسبب الإشكالات التي يواجهها القطاع والتي تسببت في هجر العديد من المزراعين لها والاتجاه للبحث عن مهن بديلة، ظللنا ولسنين طويلة نسمع ونتابع التصريحات حول مشاريع النهضة الزراعة وتوطين القمح وكهربة المشاريع الزراعية، لكن هذه المشاريع والبرامج تشوبها كثير من الضبابية ولم نرَ لها نتائج ملموسة على واقع الإنتاج الزراعي، كما اختفى من الساحة شعار «نأكل مما نزرع»، فالسودان يستورد أطناناً من الأغذية، فكيف يستقيم كل هذا مع ما يقال إن السودان سلة غذاء العالم؟.. هذا ما دفعنا للجلوس مع وزير الزراعة بروفيسور إبراهيم الدخيري وطرحنا على منضدته كل هذه التساؤلات وخرجنا بهذه الحصيلة، .. نتابع ما دار في الحوار: حوار: إشراقة الحلو ٭ ما تقييمك للموسم الزراعي الماضي؟ - تم عمل مجموعة من أطر التقييم المختلفة وأجريت مجموعة من المسوحات لتقدير الإنتاجية بدأت بمسح تأسيس المحاصيل بتقييم أولي للموسم في شهري أغسطس وسبتمبر، ثم التقييم الثاني والذي بني على المسح الفضائي الذي يوفر معلومات دقيقة جداً، واستفاد هذا المسح من تقديرات الحصاد النهائية وخرج بالنتيجة النهائية. ٭ وما هي النتائج التي خرج بها؟ - معلومات المسح الفضائي أوضحت أن جملة المساحة المزروعة هذا العام بلغت (33,8) مليون فدان، منها نحو 15.9 مليون فدان ذرة، و5.6 مليون فدان سمسم، و8.2 مليون فدان دخن والفول السوداني في مساحة 3 ملايين فدان. والقطن المطري والمروي 259.5 مليون فدان والمحاصيل الأخرى بلغت جملة مساحتها 736.7 ألف فدان، وفيما يخص الإنتاج من المحاصيل الأساسية بلغت جملة إنتاج الذرة 4 ملايين طن والسمسم 989.1 طن والدخن 823 طناً والمحاصيل الأخرى 865.9 طن، وتوقع أن يصل إنتاج القطن 177 طناً. ٭ هناك توقعات بحدوث فجوة غذائية استناداً على ضعف الأمطار خلال الموسم السابق؟ - هذا ليس صحيحاً، في الموسم الماضي تأخر هطول الأمطار لكن استمر حتى شهر أكتوبر، هناك مناطق تأثرت بقلة الأمطار لكن جملة إنتاجنا من المحاصيل كافية وتزيد عن حاجتنا بحوالي 600 ألف طن، صحيح هناك مناطق وجيوب تحتاج إلى معالجات والدولة ساعية في هذا الأمر، لكن لا توجد فجوة غذائية بمفهوم أن الإنتاج أقل من الاستهلاك. ٭ إلى أين وصلت مبادرة رئيس الجمهورية لتحقيق الأمن الغذائي؟ - المبادرة أخذت شكلها الكبير وتم عمل دراسات بتكليف من المجموعة العربية وظهرت نتائجها وهناك تطبيقات مبنية على هذه الدراسات، بالإضافة لوجود استنفار وعمل سياسي ودبلوماسي كبير يقوده رئيس الجمهورية بهدف إقناع المستثمرين بأن السودان دولة تمتلك موارد وهناك استجابة كبيرة من الممكلة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة وتركيا ودول أخرى جاءت للاستثمار في السودان، وهذا جزء من مبادرة الأمن الغذائي، ووزارة الاستثمار حالياً تروج للاستثمارات السودانية بالخارج، وفي تقديرنا هناك هجمة استثمارية كبيرة جداً ليس فقط على قطاع الزراعة بشقيها النباتي والحيواني فحسب، فهنالك استثمارات في المعادن والنفط لكن ما يعنينا في مبادرة الرئيس للأمن الغذائي أنها أخذت شكلها وهناك حزمة استثمارات كبيرة. ٭ ما هي استعداداتكم للموسم الجديد؟ - ميزانية الدولة في العام 2016 خصصت للزراعة مزيداً من الموارد والآن الوزارة في حالة استنفار لوضع خطة نهائية مفصلة لإنفاذ برنامج العام 2016 وهو العام الثاني من البرنامج الخماسي 2015 - 2019 وفي تقديرنا هذا العام سيضع أساساً كبيراً جداً لمستقبل العمل الزراعي خاصة في المشاريع القومية المروية ومشاريع الأيلولة في القطاع المطري التقليدي. ٭ تبنت الدولة مشروعاً لتوطين القمح منذ سنين عددا ولكن ما زال السودان يستورد القمح ولم يحقق الاكتفاء، ماذا تقول؟ - برنامج توطين القمح مستمر والدولة تتحدث هذا العام عن زراعة 570 ألف فدان في إطار برنامج توطين القمح، وهذا يشكل 50%من حاجتنا، وأعتقد أنه نقلة موضوعية وبزيادة المساحات والتقانات المستخدمة وزيادة الإنتاجية أتوقع أن نصل في العام القادم لإنتاج أكثر من 70% من حاجتنا، وفي العام الذي يليه سنزرع كل المساحات المستهدفة ونحقق الاكتفاء الذاتي. ٭ بماذا تبرر هجر المزارعين للقطاع الزراعي واتجاههم نحو قطاعات أخرى كقطاع التعدين؟ - إذا كان الحديث عن مزارعين راسخين في الأرض، هذا المزارع لديه أسرة وأهل وهو موجود، أما الذي لا يلتصق بالأرض سيترك الزراعة، لكن الزراعة موجودة والهجرة من الريف إلى المدن هذه ليست خاصة بالسودان فقط، فالعالم كله يتحدث عنها والمتعلمون الذين نالوا درجات عليا ما عادت الزراعة بالنسبة لهم الخيار الأمثل، إنما يبحثوا عن أطر عمل أخرى، لكن حتى الآن الزراعة ما زالت موجودة، صحيح أن الهجرة تؤثر على العمالة وأعتقد أن التطور في المجال معني بإدخال الآلة، وإذا حدث هذا سنقول للناس الآلة ستقوم بجزء كبير من العمل والهجرة من الريف إلى المدن تعني هجر الزراعة، والمزارعون موجودون فيها والسودان لا يستورد دخناً أو ذرة، بل لدينا فائض في محاصيل القطن والبقوليات ومحاصيل أخرى، وفائض الإنتاج يصدر للخارج. ٭ كيف نتحدث عن أن السودان سلة غذاء العالم ونحن لم نحقق الاكتفاء الذاتي في كثير من المحاصيل؟ - بل حققنا الاكتفاء الذاتي والآن صادرات اللحوم السودانية غزت العالم، كما حققنا اكتفاءً ذاتياً في الذرة ولا نواجه إشكالية في الدخن. لكن كل الحديث يدور حول عدم تحقيق اكتفاء ذاتي من القمح وهو مرتبط بالتحول في نمط الاستهلاك، في أوائل التسعينيات كان استهلاك السودان من القمح 200 ألف طن والآن يحدد بأكثر من 1.2 مليون طن بزيادة مليون طن، وهذا ناتج عن الاختلاف في نمط الاستهلاك الذي لم يواكبه التوسع في إنتاج القمح بالمستوى المطلوب، لذلك جاء برنامج توطين القمح لتوسيع المساحات وزيادة الإنتاجية لنواكب التغيير في نمط الاستهلاك، وأنا لا أقول إن التغيير في نمط الاستهلاك مرغوب، لكن لا تستطيع أن تجبر الناس على عدم تناول القمح، لذلك على الدولة أن تتطور في مساحاتها وإنتاجها حتى تستطيع أن توفر لشعبها الكميات المطلوبة. ٭ تبنت الدولة أولاً برنامج النفرة الزراعية ثم النهضة الزراعة، لكن هذه البرامج واجهها ضعف التطبيق، ماذا تقول؟ - النهضة الزراعية تحولت إلى البرنامج الخماسي، وهي على مستوى التنظير أفضل وثيقة خاصة بالقطاع الزراعي فيها عصارة تفكير عميق شارك فيها أفضل علماء السودان وصاحبتها في التنفيذ بعض الإخفاقات لكن كل أدبيات النهضة الزراعية استوعبت في البرنامج الخماسي وهو امتداد للبرنامج الثلاثي للإصلاح الاقتصادي، ولم نفقد شيئاً من أدبيات النهضة الزراعية. ٭ ماذا تقول حول ضعف التمويل المخصص للزراعة؟ - التمويل في القطاع الزراعي يسير في اتجاه التوسع، صحيح كان هناك ضعف لكن الآليات التي وضعت للتمويل الآن سواء كانت في التمويل الأصغر أو التمويل العادي كلها تسير في اتجاه توسع وتعميق وكفاية التمويل واندياحه، وأنا لا أقول إن الإشكالات ستنتهي خلال عام أو عامين، لكن هناك زيادة مضطردة في تخصيص التمويل للقطاع الزراعي ونأمل قريباً أن يكون ما هو متوفر من موارد، أكثر من حاجة المنتجين. ٭ كم يبلغ حجم التمويل؟ - ليست لديّ فكرة عن حجم التمويل ولكنه كبير وموزع على بنوك مختلفة، لكن البنك الزراعي زاد تمويله إلى 5 ترليونات جنيه، وهناك بنوك أخرى تدخل في تمويل القطاع الزراعي. ٭ ما زال برنامج كهربة المشاريع الزراعية دون المستوى المطلوب لماذا؟ - كهربة المشاريع الزراعية هو برنامج اعتمدته الدولة سيتم تنفيذه ابتداء من هذا العام بصورة متوازنة في كل الولايات، ذكرت الدولة أنها تتولى 50% من التكلفة وتتولى حكومة الولاية 25%ويتولى المنتج 25%، والوزارة لديها خطة كاملة لكهربة كل المشاريع الزراعية في السودان.