لا تنكري عطل الكريم من الغنى** فالسيل حرب للمكان العالي.. واليوم يا أحبة "نتونس" مع أحبابنا الذين ما برحوا ومازالوا يسيئون إلى الشعب السوداني ويعيرون بالفقر أبناءه شم الجباه وبناته عظيمات الشموخ. وأقسم بالشعب والأيام الصعبة إن بيت الشعر الذي يتصدر كلمتنا، والذي صاغه وعاتب به "أبو تمام" محبوبته.. أقسم إنه أعظم وصف وأدق توصيف للشعب السوداني العظيم.. بل أكاد أتيقن إنه قد كتب في الشعب السوداني النبيل والفريد.. قبل أن نفند أوصاف حبابينا الذين مكنهم الله في الأرض، وصاروا بأمر الواحد الأحد وزراء ومسؤولين وقادة.. وبلغ بهم الزهو والخيلاء حد أنهم حاولوا- وبئس المحاولة- أن يتطاولوا حتى يبلغوا الجبال طولاً، وحاولوا أن يخرقوا الأرض زهواً وكبراً وغروراً.. قبل أن نفند أوصافهم.. صابونة.. صابونة.. وقميصا.. قميصا.. وجبة جبة نقول.. إن الفقر ليس عيباً ولا منقصة ولا عاراً، وخاصة إذا كان ممنهجاً ومقصوداً. ثم.. نقول لصاحب "الصابونة".. إن نصف الصابونة.. إذا حدثت هي فقط الآن.. الآن.. وبعد أن اجتاحت خيولكم أسوار وساحات الوطن.. أما قديماً فقد كانت الصابونة وأخواتها في كل دار كل ممشى.. كانت في كل بيت في كل كوخ.. في كل قطية.. في كل "حمام" في كل مطبخ.. في كل حوض.. في كل جدول.. وتراها "مجدعة" كما الأصداف عند شواطئ الأنهار وضفاف "الترع". الآن ينطبق حديث نصف الصابونة علينا، ولكن نرجو أن تسأل "نفسك" و"أخوانك" من الذي أوصلنا إلى هذه العتمة، بل من الذي جعلنا نصطلي بذاك الجحيم، وتلك الفاقة والمسغبة؟. ونأتي إلى صاحب "القميص" ونسأل.. أين كان الرجل.. وهل تخاطب شعباً كان كله مغترباً في الأكوادور؟.. وهل أسوأ من إنكار الحقائق وتجاوز حقائق التاريخ.. إلا هذا.. إن كنت لا تدري ياسيدي، فقد كانت دواليبنا تئن من ثقل القمصان من زمن "كتر الغيار والمتر بي ريال" إبان عهد عبود الذي عشنا فيه أزهى أيام أسواقنا، ومررواً بالديمقراطية الثانية، وحتى أيام مايو المندحرة.. فقد "تفنن" المستوردون في استيراد آخر صيحات "القصمان" من "مثلثات كوبا" وحتى "تحرمني منك" وكانت "العمم" سويسرية تعبر الفيافي وقمم "الألب" لتستقر في أسواق "الشهداء"، وسوق "ليبيا"، و"سعد قشرة" بل كانت متاحة حتى لعمال اليومية الشرفاء.. وهل نحدثك عن "السكروتة" أم نتلو عليك قائمة "الستورنا" والحرير الطبيعي الذي تنسجه في مهارة "دودة الغز"، أم نحدثك عن "غيارات" جلاليب البوبلين و"التترون" التي كان يقتنيها و"بربع" الدستة الفقراء.. بالله عليك من ورطك في حديث "القميص" الواحد هذا.. لقد دفعك هنا إلى تلقي السخرية المريرة والاستهزاء الضاحك دفعاً، قل معي "الله لا كسبو"، الآن يا أحباب "المساحة كلمت" وأظنكم لاحظتم إني لم أتطرق إلى صاحب "الوجبة الواحدة"، وذاك صاحب "الشحادين" موعدكم مع ذلك بكره.