كونك صاحِب مفهوميات، أو كونك (قرّاي) ومُحامي بتاع (مَنْضَمة)، فإنّ كل هذا، لا يعني إنك الحائز على الجّمل بما حمَلْ ..فلهؤلاء السودانيين الغلابة في أيام دهرهم نفحات، ومن أمثالهم الشائعة قولهم:( أكان قبضْتّ مَا تَفِكْ، وأكان فكّيتْ ما تنْدَمْ، وأكان نِدِمْتَ ما تِتْبَشْتن، وأكان اتْبشْتنتَ ما تِتبشتنْ قِدّام النّاس)! انطلاقاً من هذا القول الضّافي، ليتَ صاحبكم هذا يعلم ، إنّو تاني (ما حَيشِمَّها)! إن كان بينكم من يُبدِي حريصاً عليه، أو كان قادراً أن يهديه سواء السبيل، فليهده، فإن سُتْرة تلميذ الشيخ واجِبةٌ، في مثل هذه السِنْ، فهي أفضل له، من (الدّوُدَاي)! (الدّوُدَاي) ما بيجيب الرّايحة، ولن يعيد أيام القصر، وجِنْس الحاصِل دا، شُفناهو وعِشناهو من قبل مع (تيمان نَقزو)! و(نقزو)- كما تعلمون- هي حي من أحياء بربر، وما أدراك ما بربر! تلك مدينة (بلاشِفَتُها) صنف خاص، بينما كيزانها- أجارك الله- فهُم من النوع، عالي الجّودة! دخل (تيمان نقزو) الى المسيد سوياً، وبعد ذلك افترقت بهما السُبُل.. أحدهم انخرط في زراعة السّاقية طوال العام..( طماطم وبصل وفول)، حتى هبّت عليه الثّورة إيّاها، فترقى بها وأصبح رئيس اللّجنة الشعبية، بينما توأمه الآخر، الذي التحق بالسّكة الحديد، فقد انفتح هناك على ثقافة العصر، وكان يأتي كل اسبوع الى الحوش الكبير، متأبطاً المطبوعات مختلفة الألوان، مِنها الكثير من مؤلفات ديستوفِسكي، وقوركي، وتوماس مور، الى جانب دواوين الشِّعر، وكتب النثر، بينما كان توأمه الُمزارع، يفترش الحوش بانتاج الجُروف، من عيش الرِّيف، الى الصّلصة والفول وغيره من البقول. هذا حال الدُّنيا التي لا تستقر على حال. جاء زمان ثوري، جفّت فيه المياه عن ورشة عطبرة، فأصبحت خرابة كبيرة، وتعرّض التِّويم المُثقفاتي للفصل من العمل للأسباب المعلومة، فآوى إلى ديوان أبيه الفخيم، يطالع في مدوّنات الفلسفة، علّها تُسعفه في فهم ما جرى في هذه البِلاد (المُسلِمة).. لكنّه بعد حين، امتلأ بالضّجر من كثافة الأوراق وبُخل الأحبار وخلل الواقِع، فخرج طالباً حقه من إرث أبيه،، وههنا وقع الخِلاف بينه وبين توأمه (التنظيمي) عالي الشأن، في الزّمان والمكان! استفحل الخِلاف، فتدخّل الأجاويد وعقدوا منتدىً للحوار من أجل تقريب وُجهات النّظر، وقد كان ذلك مُمكِناً، لولا أن التوأم التنظيمي، حُظيّ بإسناد موضِعي، جعله مُمْسِكاً بخيوط الفوضى، فكان أنْ أُعطى الكلمة الأولى في المجلس ولهذا كانت له الكلمة الأخيرة أيضاً! طرح صاحب الشأن أطروحته بأسلوبه البلدي، متحدثاً عن الإنتاج وعن التّعب والشّقا، والخواضة والقِراعة في موية الشِتاء، وأشار غامزاً ولامِزاً الى توأمه المثقفاتي، بأنه المُرتاح، راضِع الضُّل، والقاعِد في الهمبريب، يقرأ طول اليوم! وواصل السّرد على هذا النّحو، حتى استفز توأمه المُثقفاتي، فأخرجه عن طوره فاضطر للتعليق على الأُطروحة الإنتاجية قائلاً : (هذا زمانُكِ يا مهازِلَ فأْمرَحِي)! لكن التوأم عالي الشأن، كان حصيفاً في الكسب، فلم يتوقف عن ضرب النُّقارة، قبل أن يقول للمُثقفاتي الغارق في زمان المهازل : ( أيِّ بَمْرَح، أيِّ بَمْرَح ، وتاني بَمْرَح)!.. بعد ذلك، خرج مجلس الأجاويد إلى فضاء الاسطورة، عندما استعطفهم التوأم التنظيمي بقوله : (تعالوا شُوفوا كرعيني المَشقّقات ديل.. تعالوا شوفوا هدومي مليّانات طين كيف)! وتدعيماً للأسطرة، دخل في نوبة من البُكاء مع الحوقلة، تلييناً للقلوب، واستجلاباً للدّعم. ذلك الإجْهاش، انقلبت له الموازين، فلم يُعد للرّفيق من مؤازِرين! والقِصّة في السودان، ماشّة بالصُّورة دي .. فمن كان منكم حريصاً على تلميذ الشيخ، فليؤازره بالمناصحة.. دعوة ينصرف نحو التأليف والتوثيق، فربما كان ذلك أفضل له ولكم، من هذا الدّوُدَاي.. الدّوداي رخى ضنب التيتل..!