لقد واجهت وتواجه أجهزة الشرطة الحديثة الكثير من التحديات، أهمها محو المفهوم الموروث بأنها سلطة قمعية، ومن التحديات مسؤولية حفظ الأمن والنظام والتعامل مع الأحداث في حدود احترام مبادئ حقوق الإنسان، وتجنب استعمال القوة المفرطة (Excessive Force) وكسب ثقة الجمهور مع الشرطة للقيام بواجباتها.. كما أن من التحديات الرئيسية التي تواجه الشرطة تغيير نمط ارتكاب الجريمة بسبب سهولة انتقال الأشخاص، وزيادة تحركاتهم نتيجة لتطوير وسائل النقل ووسائل الاتصال، مما ساعد على نمو نشاطات الجريمة المنظمة داخلياً وعالمياً- تلك النشاطات التي شملت تهريب المخدرات، وغسيل الأموال، وتزييف بطاقات الائتمان والدعارة، وسرقة وتهريب السيارات، وتزييف العملة، وتجارة التحف الفنية المسروقة وغيرها، ومن الملاحظ أن التوجه الحديث في العمل الشرطي هو الاتجاه نحو تقديم الخدمة في مقابل المفهوم القديم (إظهار القوة)، في مطلع الثمانينات من القرن الماضي تبلور الدور المهم الذي يمكن أن تقوم به الشرطة المجتمعية من خلال إنهاء الكثير من الخصومات عن طريق الصلح دون الجنوح لاتخاذ الإجراءات القانونية، التي تكون في بعض الأحيان مجرد إهدار للمال والوقت، كما أن الشرطة المجتمعية هي والواجهة التي يمكن أن تقنع الجمهور للتعاون مع الشرطة لمنع الجريمة واكتشاف الجريمة، أيضاً أن كل جهد تبذله الشرطة يجب أن يكون موجهاً نحو منع الجريمة، أي أن الهدف الأساسي هو منع الجريمة، وهو الذي يجب أن يستحوذ على جل وقت الشرطة وجل مواردها البشرية والمالية. إن الحفاظ على أرواح الناس وممتلكاتهم واستتباب الأمن والهدوء يتحقق أكثر وبفعالية أكبر من خلال منع ارتكاب الجريمة، وليس من خلال اكتشاف مرتكبيها وتقديمهم للعدالة، لأن الإحساس بالأمن والطمأنينة لا يتحقق في ظل ارتكاب الجريمة حتى وإن تم اكتشافها والقبض على مرتكبيها.. إن عمل الشرطة عمل مستدام أي أنه يمتد لأربعة وعشرين ساعة في اليوم ولسبعة أيام في الأسبوع، لأن الأعباء المنوطة بها لا تتوقف، فإن إرتكاب الجريمة أو تنظيم المرور أو مكافحة الإخلال بالأمن كلها أعمال مستمرة، كما أن الجانب (الخدمي) هو الآخر مستمر مثل التعامل مع المدمنين أو فض النزاعات بين أصحاب الشعارات والمستأجرين أو النزاعات الأسرية.. كلها تحدث في أي وقت وأي مكان. إن الجانب (الخدمي) للشرطة مهم للغاية وهو الجانب الذي يكسب الشرطة ثقة وحب الجمهور، مما يساعد على تعاون الجانبين، ذلك التعاون الذي تحتاج له الشرطة للمساعدة في حفظ الأمن والنظام، وفي منع ارتكاب الجريمة، وهو العمل الأساسي الذي يجب أن يحظى بالأولوية والاهتمام الأكبر، إن رجل الشرطة وحده هو القادر والمؤهل والمنوط به التعامل مع الحالات التي تستوجب استعمال (القوة)، المطلوب استعمال القوة في الوقت الضروري للدفاع عن النفس أو الدفاع عن أرواح وممتلكات الآخرين، ولكن المطلوب أيضاً استعمال القوة بالحد المناسب وليس الافراط في استعمالها، يريد الجمهور أن يرى دائماً دوريات الشرطة وهي تجوب الشوارع في المدن، الأمر الذي يثير فيه الإحساس بالإطمئنان والأمان- كون الشرطة موجودة لحمايته وحماية ممتلكاته من مرتكبي الجريمة، علينا أن نتبنى مسؤولية التخطيط لمنع الجريمة، ذلك التخطيط الذي يوجه ويتيح جل الموارد في اتجاه منع الجريمة فعلينا أن نعمل على وضع الخطط الاستراتيجية التي تؤدي إلى منع الجريمة باسلوب علمي مدروس، من أجل تقديم أفضل الخدمات للجمهور ليس فقط من خلال أعمال الشرطة المجتمعية، ولكن أيضاً من خلال أعمال الجوازات وتنظيم المرور والردود على اتصالات واستفسارات الجمهور. لعله من المهم أن تعمل الشرطة من خلال أخذ المبادرة (Proeactive) وليس من خلال الاستجابة للفعل وردة الفعل، وبناء عليه تكون عملية جمع المعلومات والاستخبارات لها الأهمية القصوى في مسألة منع الجريمة.. ويجب التالي تخصيص الكثير من الموارد المالية والبشرية لها، هذا التوجه في تكثيف عمليات جمع المعلومات من شأنه التركيز على مرتكبي الجريمة خصوصاً معتادي الإجرام وليس على الجرائم نفسها، فإن ضبط المجرمين وتقديمهم للعدالة يقلل من فرص ارتكاب الجريمة لاحقاً. إن عملية جمع المعلومات لا تتم عن طريق نشاط الشرطة فقط، ولكن الدور المحوري فيها يكون للجمهور، إنها مسؤولية مشتركة وإن العمل الأمني بالغ الأهمية ولعل دور الجمهور فيه له أهمية قصوى. إن عملية جمع المعلومات تتم عبر مصادر ثلاثة هي: 1/ ضباط وأفراد الشرطة الذين تصل المعلومات إلى علمهم أو يبحثون عنها، ويحصلون عليها بجهدهم الخاص وبطريقة مباشرة. 2/ عن طريق الجمهور الذين يقومون بالتبليغ عن الجرائم أو يقدمون المعلومات بصفتهم شهوداً فيما يتعلق بالجريمة، أو شهوداً على مرتكبيها أو بصفتهم ضحايا للاجرام. 3/ تتم عملية الحصول على المعلومات في المصادر السرية المعتمدة على الشرطة وهؤلاء عادة يكونون أشخاصاً مدنيين يعملون لدى الشرطة بصورة غير رسمية مهمتهم تقديم المعلومات متى ما طلب منهم ذلك، ويتقاضون أجراً أو يعملون نظير خدمات تقدمها الشرطة لهم وتساعدهم بها، للاستمرار في عملهم كمصادر سرية، وتتولى الشرطة تجنيدهم وتدريبهم ومتابعتهم والحفاظ على أمنهم، وأمن ذويهم، علينا أن نتعرف على وجه الدقة من خلال البحوث والدراسات على ثلاث جوانب هي: أولاً: ماذا يريد الجمهور من الشرطة؟. ثانياً: في ماذا يقضي رجال الشرطة أغلب وقت عملهم؟. ثالثاً: كيف تتخذ القرارات الشرطية داخل المؤسسة؟. للإجابة عن الأسئلة الحيوية علينا أن نتخذ الكثير من الإجراءات لالقاء الضوء على عمل الشرطة ومعرفة جميع جوانبه، ولعله بالاضافة للكثير من الإجراءات المطلوبة في هذا الاتجاه أن وصى بإنشاء هيئة استشارية للشرطة من السلطات المحلية، ومن أشخاص لهم ثقلهم من الجمهور، ولهم مكانتهم ربما من الصحفيين المرموقين أو القانونيين أو من كبار الضباط المتقاعدين، ومن رجال الأعمال أن مثل هذه الهيئة من شأنها أن تؤكد الشراكة بين الشرطة والجمهور في الأعمال الشرطية التي همها منع الجريمة وتقديم المعلومات.