في الماضي كانت المنظمات والجمعيات والأحزاب بعد ذلك تتبارى في الاحتفال بذكرى الاستقلال.. وكانت تزين دُورها بكل قشيب وغالٍ.. وكانت الثريات تتلألأ على جدران المدينة موحية للناس ببزوغ فجر جديد هو فجر الاستقلال.. وكانت الصحافة تؤدي دورها بإصدار الأعداد الخاصة والملحقات التي تخلد هذه المناسبة وتحشد الأجيال حولها.. وتعلم النشء والشباب.. والتلاميذ والطلاب والعمال والزراع والصناع معنى الاستقلال وكيفية الحرص عليه والذود عنه.. وكانت المدارس تبدأ أول يوم دراسي لها في فجر يناير بالاحتفال بالحدث العظيم.. وترفع العلم في باحتها تعبيراً عن ذلك.. وينشد أبناؤها مع إطلالة الصباح الجديد: .. نحن جند الله.. جند الوطن.. ثم تلقى بعد ذلك القصائد والكلمات من أسرة التدريس ومن الطلاب.. وعلى هذا النسق تتبارى جهات كثيرة في الدولة معلنة فرحتها واعتزازها بهذا اليوم.. ذاكرة بالخير والعرفان والتقدير الآباء والأجداد الذين ضحوا لمثل هذا اليوم: (من أجلنا ارتادوا المنون ولمثل هذا اليوم كانوا يعملون غنوا لهم يا أخوتي ولتحيا ذكرى الثائرين..) { أما رجال الأدب والشعراء وأرباب الكلمة البليغة، فكنا نجد عندهم أجمل الأشعار في هذا، فكنا نجد لدى حزب الأمة جوزيف لطيف صباغ وعبدالله البنا ويوسف مصطفى التني ومختار محمد مختار وعبد الرحيم الأمين ومحمد أحمد محجوب ومحمد عبد القادر كرف، ونجد لدى الأخوان المسلمين إمام علي الشيخ وصادق عبد الله عبد الماجد وعلي عبدالله يعقوب، ونجد لدى الاتحاديين محمود الفضلي ويحيى الفضلي ومدثر البوشي وخلف الله بابكر وطه حسن طه وأحمد محمد الشيخ، ونجد أقلاماً أخرى تمج الرحيق وتطوف وتحوم كالنحل حول حدائق السلام ودور الأحزاب ومقار المنتديات، مشاركين في هذا الحدث العظيم.. فكنا نجد مبارك المغربي ومصطفى طيب الأسماء وعبد الله الشيخ البشير ومحمد المهدي المجذوب ومهدي الأمين وعزيز أندراوس وصالح بطرس ويعقوب الفرشوطي وحسن عزت، إلى جانب شعراء الحقيبة والشعر القومي كعمر البنا وسيد عبد العزيز وأبو صلاح وعلي حامد البدوي وعبيد عبد الرحمن وخالد أبو الروس.. فكان لكل من هؤلاء نشيده وغناؤه لهذا الوطن العظيم ولسان حال كل واحد منهم يردد: (في سموك ومجدك عشت يا سوداني)