الجلسة التي أعنيها دائماً لا أقصد بها جلسة مثل تلك التي يتغنى بها الشعراء والمغنون، أي أنها ليست (جلسة ما منظور مثيلها).. بل هي جلسة داخل قاعة المحكمة، وكان يوم الأمس يوماً طويلاً داخل المحاكم، بدأ عند الحادية عشرة صباحاً واستمر إلى ما بعد الثانية في محكمة الملكية الفكرية كنتُ خلال الأمس - كالعادة - المُتهم الأول في قضيتين ارتبطتا بنشر بعض المواد الصحفية، وفي الفترة الزمنية الممتدة ما بين الجلسة الأولى التي لم تستمر طويلاً نسبة لسفر شاهد الدفاع في رحلة عمل خارج السودان، وما بين الجلسة الخاصة بالنظر في قضية أخرى جلسنا «المُتّهم» و«الشاكي» ومحامو الدفاع ومحامو الاتّهام نناقش في أمور عامة لا علاقة لها بالقضية محل الشكوى.. الأستاذ الدكتور صلاح عشرات شهد معنا بالأمس أول جلسة في قضية مرفوعة ضد (آخر لحظة) وفي مواجهة رئيس تحريرها وقد جاء ضمن مجموعة الدفاع عن رئيس التحرير والصحيفة، والتي ظل يتقدمها على الدوام المستشار القانوني للصحيفة الأستاذ عادل أحمد حسن خشم الموس المحامي، وهما الاثنان من ركائز مركز الفاروق للدراسات والاستشارات القانونية أي أنهم مجموعة من المحامين والمستشارين القانونيين.. بينما كان في الجانب الآخر الأستاذ نادر محمود المحامي وعدد من المحامين الذين يمثلون الاتهام، لكن أحداً من هؤلاء أو أولئك لم يتحدّث في القضية موضوع الشكوى بل كان الحديث عن فن الغناء السوداني، بدأه محامي الاتّهام الأستاذ نادر محمود بحديث سابق لي للإذاعة ومقال سبق أن كتبته عن الشاعر الكبير الأستاذ عبد الرحمن الريح، وعن الفنان العبقري أمير العود الأستاذ حسن عطية وأغنيتهما الخالدة (أقول إنت نور) أعربت في الحديث والمقال عن قناعة شخصية ثابتة وراسخة داخل عقلي وقلبي ونفسي تقول بأن هذه الأغنية أجمل ما جاء في كتاب الفن السوداني من حيث الكلمات واللحن والأداء، وقد جاءت تلك القناعة منطلقة من رأي للسيد الوالد الأستاذ محمود أبو العزائم، رحمه الله، عززها استماع مركز للأغنية وحب أكيد للشاعر والمُغني. الحديث بين الجلستين لم يقف عند حد (أقول إنت نور) بل تعداه إلى عالم (أبو داؤود) هذا الفنان الضخم الفخم صاحب الحنجرة النادرة والقدرة الفنية الآسرة والأداء الذي لا يشبهه أداء.. وانتقل الحديث إلى أحد عباقرة الغناء السوداني الراحلين، الفنان الكبير الأستاذ إسماعيل عبد المعين صاحب أناشيد المؤتمر الثلاثة (صه يا كنار) و(صرخة روت دمي) و(للعلا).. ثم انتقل الحديث إلى رواد الغناء السوداني والجيل الذي تلاهم.. وهكذا. يوم أمس كان - رغم المحاكم - يوم أنس وفن ابتعدنا فيه عن السياسة والاستفتاء وأحداث العنف ما بين الشمال والجنوب.. وقد أحسست أنني في إجازة ممتعة رغم أنني كنتُ المُتّهم الأول في القضيتين.