الدستور الذى تحكم به البلاد منذ العام 2005 وحتى الأن هو دستور انتقالى وهو القانون الأعلى للبلاد ويتوافق معه الدستور الانتقالى لجنوب السودان ودساتير الولايات وجميع القوانين كما جاء فى الباب الأول منه الذى يفصل الدولة والدستور والمبادئ الموجهة . جاء فى مقدمة الدستور الانتقالى أن الدستور تُحكم به جمهورية السودان خلال الفترة الإنتقالية وهى التى حددت أن تنتهى فى التاسع من يوليو القادم . ولكن ما الموقف بعدالتاسع من يوليو القادم هل سيعدل الدستور الحالي أم سيتم اعتماد دستور جديد لمرحلة مابعد الانفصال . الدكتور مندور المهدى نائب رئيس المؤتمر الوطني بولاية الخرطوم أفاد فى تصريح نقلته عنه شبكة الشروق خلال الأسبوع الماضى أن تعديل الدستور أمر تفرضه الظروف الموضوعية للمرحلة الجديدة والتى تعقب قيام دولة الجنوب مؤكداً تشاور المؤتمر الوطنى مع القوى السياسية لاجراء التعديلات المطلوبة . إلا أن وزير الدولة بوزارة الشئون البرلمانية فرح عقار كان أكثر وضوحاً فى تصريحه بأن وزارته ترتب لمراجعات دستورية شاملة حال انفصال الجنوب عن الشمال بالتنسيق والتشاور مع مؤسسات الدولة ذات الصلة تتعلق بالتوجه العام لأنظمة الحكم التنفيذية والتشريعية وأبان السيد عقار فى الندوة التى انعقدت بالدامر بولاية نهر النيل عن التواصل مع المجالس التشريعية أن المراجعة ترتكز على شكل وطبيعة العلاقات الأفقية والرأسية مابين مستويات الحكم المختلفة . وفى هذا الأمر نرجو أن تنسق التصريحات حول التعديلات المطلوبة على الدستور الانتقالى حتى لاتكون موضوع خلاف بين القوى السياسية التى شاركت كلها عقب اقرار اتفاقية السلام الشامل من خلال المفوضية القومية للدستور وتمثيلها فيها فى الموافقة والإتفاق على بنود الدستور الإنتقالى خاصة وأن وضع الدستور الانتقالى اتبع الطرق والمنهج الديمقراطي فى وضع الدساتير والتى تلقينا معرفة أساليبها على يد أستاذنا العلامة فى القانون الدستورى الدكتور عبدالحميد متولى أستاذ القانون الدستورى فى جامعة الاسكندرية حينها والذى جاء الى السودان فى منتصف السبعينيات الماضية لتدريس القانون الدستورى بالجامعات السودانية ومن أهم هذه الأساليب أسلوب الجمعية التأسيسية وأسلوب الاستفتاء الدستورى وأسلوب المعاهدات الدولية . الدستور الإنتقالى لسنة 2005 بذلت فيه القوى السياسية جهوداً مخلصة لوضعه والاتفاق على معظم بنوده وفيه من المبادئ والموجهات مايصلح لاستمرارها ودوامها حتى ولو لم يكن الجنوب جزءاً من دولة السودان وفيه وثيقة الحقوق التى جاءت عهداً بين كافة أهل السودان وبينهم وبين حكوماتهم على كل مستوى والتزاماً من جانبهم بأن يحترموا حقوق الإنسان والحريات الأساسية المضمنة فى الدستور وأن يعملوا على ترقيتها وتعتبر حجر الأساس للعدالة الاجتماعية والمساواة والديمقراطية فى السودان كما جاء ذلك فى وثيقة الحقوق بالباب الثاني للدستور .لاحظنا أنه يدور هذه الأيام حوار فى مصر بين القوى السياسية والحكومة فى تعديل الدستور ورغم وصف معظم القوى السياسية المعارضة فى مصر فى دستور بلادها بالسوء إلا أنها لم تطالب بإلغائه بل طالبت بتعديل بعض مواده وذلك لرسوخ الممارسة الدستورية فى مصر والتى تحرص عليها الكثير من البلدان . وفى السودان لم ترسخ الممارسة الدستورية فى بلادنا إذ يأتى كل نظام حكم فيلغي مايجده من مؤسسات دستورية بل والدستور نفسه إذ تم إلغاء دستور البلاد لسنة 1956 ودستور 1964 ومحاولات دستور 1968 الذى لم يكتمل بتنفيذ انقلاب مايوم 1969 ودستور 1973 ودستور 1998 مع ملاحظة أن الكثير من الدول الديمقراطية لاتزال تحكمها دساتير صدرت فى القرن السابع عشر والثامن عشر والتاسع عشر .