بكى نصير (القائد) وأمتلأت عيناه بالدموع وهو يتحدث عما يجري (شمال غرب)، وأبعد نظارته عن عينيه ودعكهما بظهر الكف داخل الشقة المطلة على العمارة الكبيرة المخصصة لإحدى أكبر شركات الاتصال، وقال للمجتمعين الأربعة وهو خامسهم، قال إن ثورة الجماهير تتعرض لمؤامرة كبيرة وعلينا أن نعمل على تعريتها، وأن نتجه نحو المكتب الأخضر جنوبالخرطوم لنعلن ذلك ونطالب باعتماد وفد شعبي يساند القائد داخل معسكره... ثم غلب الانفعال الرجل القديم المزمن في عمل اللجان إياها. الاجتماع قرر رفض الفكرة وهمس أحد المجتمعين في أذن زميله قائلاً: (صاحبك ده عايز يضيعنا ولا شنو؟!) وانفض الاجتماع دون نتيجة ولم يخرج منه شيء سوى دموع الرجل القديم، وقال أحد المجتمعين لزميله همساً إن (القصة انتهت.. والحكاية جاطت ونحنا ما عارفين نودي وشنا وين من الناس هنا)، رد عليه الآخر- حسبما سمع راصد بيت الأسرار- قائلاً: (والله زولك ده يستاهل أكثر من كده) وأومأ برأسه نحو الرجل القديم، وعندما انفض الاجتماع كان الحديث بين ثلاثة من المجتمعين يدور حول اللواء المتقاعد المحظوظ الذي كان عضواً في مجلس ثوري بعد القضاء على أحد أنظمة الحكم في السودان، حيث تم ترشيحه لتولي رئاسة اللجان إياها، إلا أن الرجل القديم حارب وضارب حتى لا تخرج القيادة من بين يديه، رغم تدخل القيادة الخارجية دعماً للمرشح اللواء المتقاعد ولكن اللعب ب (الثلاث ورقات) أبعد الرجل اللامع ليعود بالقديم من جديد. لغة طبية! المفردات المتداولة هذه الأيام بعد القرارات الرئاسية باعفاء وزير الدولة ووكيل وزارة الصحة في يوم واحد نتيجة للصراعات الدائرة في الوزارة منذ زمن طويل، ونتيجة لروائح فساد قوية أخذت تفوح من هناك، أصبحت المفردات المتبادلة والمستخدمة بين الأطباء واحدة تقريباً حسبما راصد بيت الأسرار الذي استمع لأكثر من طبيب وطبيبة، وهم يتبادلون التهاني والتحايا ويطلقون سؤالاً تقليدياً هو (كيف الصحة) لتجئ الإجابة ب (مية المية) أو (الصحة تمام).