القائد الفرنسى الأسطورة نابليون بونابرت ذاع صيته خلال القرون الماضية بسبب ذكائه ودهائه ومكره ومهارته العالية فى إدارة المعارك الحربية، ولعله من القادة النادرين الذين حفظ لهم التاريخ نظرياتهم وتكتيكاتهم الحربية حتى يومنا هذا، بل أن واحدة من أشهر نظرياته مازالت تستخدم حتى اليوم فى المعارك الحربية، وفى الشطرنج وفى رياضة كرة القدم بل حتى فى أدبيات الخلاف (الهجوم خير وسيلة للدفاع)، كان نابليون متفوقاً فى الذكاء إلا أنه كان ماكراً وكثيراً ما كان يستخدم الجواسيس فى الحصول على المعلومات الوافرة عن قوة وعتاد أعدائه، وحينما همَّ بدخول ايطاليا استخدم أحد الضباط الطليان فأمده بكل المعلومات التى يحتاجها عن الجيش الإيطالى القوي ساعتها، ولذلك كان من السهولة لدى نابليون أن يجتاح ايطاليا، وعقب النصر وكعادته دائماً ما كان يقيم احتفالاً ضخماً يقوم من خلاله بتكريم القادة الذين أسهموا فى انتصاراته، وقد كان القائد الإيطالى المنشق واحداً من هؤلاء، نودي باسمه وسط الأهازيج وموسيقى الشرف، وتقدم الى المنصة لتسلم قلادة الشرف المرصعة بالماس والذهب من القائد نابليون، وحين اقترابه من المنصة وبدلاً من أن يقلدها له فى عنقه قذف بها نابليون على الأرض، سادت حالة من الصمت والهمس وحاول بعض من حرس الشرف التقاط القلادة، فما كان من نابليون إلا وأن قام بزجرهم والتفت مخاطباً القائد الإيطالى(أنت تستحق التكريم، ولكن يد نايليون لا تصافح من خان وطنه، فخذ قلادتك من على الأرض)، هكذا كان نابليون وهكذا كانت أخلاقه وقيمه، ولذلك تسيد العالم وظل خالداً دون غيره من قادة كُثر عبروا فى تاريخ البشرية، فهو الذى تمكن من فرض سيطرته بالغرب ودانت له بعض أجزاء الشرق، واليوم تحاول الولاياتالمتحدة بما تملك من قوة وسطوة جعلتها القطب الأوحد فى العالم تحاول فرض هيمنتها على العالم، إلا أن أسلوبها وطريقة تعاملها حتى مع من تسميهم أصدقاءها، وهو المصطلح الذي خرج للإعلام بصورة واضحة عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر2001، وكان أن رددته دكتورة كونداليزا رايس كثيراً، فهذا المصطلح يعتبر وصفاً مهذباً ليس إلا لكلمة عملاء أمريكا، وذلك لأن أسلوب الولاياتالمتحدة دائماً ما يفتقد للمعاني الإنسانية ويخلو من طرق إعطاء الدروس للعميل ليفهم معنى خيانة أمة ووطن كما فعل نابليون، وهذا النهج الأمريكي الخالص أسلوب أقل مايمكن وصفه بالانتهازي والجبان، كيف لا وهذه هى طبيعة وثقافة الشعب الأمريكي، ولعل القارئ الفطن، يتذكر كيف عاملت المجندة الأمريكية المحامي العراقي الذى تطوع لإنقاذها من بين يدي أفراد المقاومة العراقية بالبصرة، تزامناً مع بدء عمليات دخول جيش الاحتلال الأمريكي للعراق، فقد ظن ذلك الموهوم أن المجندة الأمريكية ستقلده وسام الشرف، بل ربما تعتبره بطلها وفتى أحلامها، خاصة بعد أن تغزلت فيه بعض وسائل الإعلام الأمريكية، ووصفته بالبطل وصديق الشعب الأمريكى، إلا أن المحامي العميل قد واجه صداً وتنكراً من المجندة الأمريكية، بل إنها رفضت حتى مقابلته وصرحت بأنها لا تود رؤيته، ولعل الواقع السياسى القديم والحالى يشهدان بشكل واضح على كيف أن أمريكا تعامل أصدقاءها أوعملاءها مروراً بالشاه، ونوريغا وحتى الأخير القذافي، وقد لاحظنا جميعاً كيف أن بعض الرؤساء العرب وحينما حاصرهم الثوار الأحرار كانوا يستنجدون بأمريكا لإنقاذهم وكان القذافي قد صرخ (أمريكا خانتني) وهو تعبير يحمل ما يحمل الكثير من التأويلات والتحليلات باعتبار أن من يخونك، فهذا يعني أنه بينك وبينه عهود ومواثيق واتفاقات سرية أو ربما أسديت له خدمات كبيرة وتنتظر المقابل، فالقذافي حاول مخاطبة الإدارة الأمريكية ومعاتبتها عبر قناة أيه بى سى الامريكية، عاتبها على ما سماه بالخيانة ونكران الجميل، بالرغم من أن ذلك الأسلوب كان قد سبقه اليه الرئيس المخلوع حسنى مبارك، فقد فضل مبارك أن يخاطب الإدارة الأمريكية بدلاً عن الشعب العربي لتخلصه من قبضة الثوار، ولجأ الى مخاطبة الصديقة أمريكا ومغازلتها واستجدائها، بل وتهديدها أن ذهابه سيكون على حساب وصول الإسلاميين، وذلك من خلال قناة أمريكية أيضاً، وربما حملت المخاطبة صفة العتاب أيضاً، كان اولئك الساسة يظنون وهماً أن أمريكا ستحتفظ لهم بالجميل بالنظر الى ما قدموه لها من أعمال قديرة، كانت تعجز هى بكل جبروتها وطغيانها من تحقيقها فى العالمين العربي والإسلامي، جميع الطغاة الذين حاربوا الإسلام والمسلمين ووالوا أمريكا تحت مظلة الصداقة ذهبوا الى جحيم التاريخ وطردوا شر طردة من ثوار دولهم وأشهرهم كما أشرنا الشاه ، تخلت أمريكا بكل بساطة عن أصدقائها ولم تشفع لهم كل جمائلهم فى خدمتها وخدمة الأهداف الصهيونية، وذلك لأن ثقافة أمريكا تنعدم فيها قيم وأخلاق مانطلق عليه الامتنان أو رد الجميل والاحسان بل السائدة هي الغاية تبرر الوسيلة وتسود ثقافة (التيك أوى)، فجميع الطغاة عملاء أمريكا هم بنظرها مجرد أدوات ودمي ووسائل لتحقيق أهدافها، بل هم أشبه بأدوات النظافة، والتي ما أن تحقق لك غرضك حتى ترميها وتركلها فى أقرب سلة مهملات، وهذا هو حال اولئك القادة الآن، والواقع أن الولاياتالمتحدة تسعى للاستفادة بأكبر قدر ممكن من سقوط أصدقاء وعملاء الأمس كيف لا وقد فقع القذافي مرارتنا من خلال إعلان الخزانة الأمريكية تجميد (30) ملياراً من الدولارات، كانت تخص القذافي، نعم ثلاثون ملياراً وأخرى أكثر من عشرين ملياراً بما فيها من عقارات ومجوهرات فى بريطانيا ومليارين فى كندا، وأكثر من خمسة عشر ملياراً في النمسا وأخرى غير معروفة فى بنوك سويسرا، أي أكثر من (80) ملياراً من الدولارات كان يمكن أن تكفي كل جياع العالم العربي عبر زراعة أراضي الجار المسالم السودان، حيث الأراضي الخصبة والمياه الوفيرة، بل حتى الصحراء الليبية الجدباء، كان يمكن لتلك الأموال الهائلة أن تجعل منها جنة خضراء فتكفي جياع أفريقيا جميعاً، ناهيك عن مواطني ليبيا وحدهم، فالرئيس القذافي قدم خدمات جليلة للغرب واسرائيل على وجه الخصوص عبر ايداعه لتلك الأموال الضخمة فى بنوك الغرب وأمريكا، والواقع المؤلم أن كافة أو معظم بلدان الغرب وأمريكا قد استفادت بدرجة كبيرة من الأموال العربية والإسلامية والافريقية على حد سواء، وكذا أموال بعض الطغاة فى بعض أنحاء العالم كيف لا وتقول الروايات إن سويسرا قد أبدت زهدها فى الانضمام الى الأممالمتحدة، بعد بدء تدفق الأموال اليها وغياب أصحابها، فقد ارتكب حُمقاء الثورة البلشفية خطأً كبيراً بعد أن أصروا على إبادة جميع أفراد عائلة الامبراطور نيكولا حتى الأطفال لم يسلموا من التصفية وقد كان لذلك الخطأ مردود إيجابي جيد لدى سويسرا، حيث أنه وبغياب أسرة الامبراطور نيكولا غابت معه ثروة ضخمة تخص أسرة الامبراطور الروسي، صمتت عنها بنوك سويسرا وبعدها جاءت ثروة الامبراطور شاه ايران، فغاب جزء كبير منها في البنوك السويسرية، وهكذا جميع الطغاة الذين يذهبون نتيجة لأحداث دموية تغيب ثروتهم في البنوك السويسرية، وقد كانت سويسرا تعضد موقفها من خلال ما كانت تزعم أنها السرية المحكمة لحسابات العملاء المودعين، وفى ذلك نذكر طرفة كان إن أوردها الأستاذ/ حسين خوجلى إذ أشار فى واحدة من كتاباته حول نهابي ثروة افريقيا.. حيث أشار الى أن الرواية تقول- وكان ذلك إبان سقوط القيصر موبوتو سيكوسيكو- فقد وصل وزير دفاع إحدى الدول الافريقية الى سويسرا، وحين توجهه الى احدى البنوك كان يحمل معه حقيبة منتفخة واقتحم مكتب مدير البنك، وداهمه باخراج مسدس من تلك الحقيبة وصوبه الى رأس المدير قائلاً: (إن لم تعطني رقم حساب رئيس دولتنا سأفجر رأسك الآن) حينها تفاجأ وزير الدفاع الافريقي برد المدير (انه مستعد للموت في سبيل حفظ أسرار البنك وسرية حسابات المودعين)، لحظتها تبسم وزير الدفاع الافريقي وفتح الحقيبة السوداء وقال للمدير الآن طمأنتني على انكم بالفعل تحفظون الأسرار إذن أفتح حساباً باسمي وهذه (20) مليوناً كاش دفعة أولى.