على ضوء التقرير الذي أوردته منظمة اليونسيف بالتزامن مع الاحتفال باليوم العالمي للمياه، فإن الوضع لا يطمئن ويكشف مجدداً الفشل في وضع استراتيجيات ناجزة توفر المياه الآمنة والصالحة، وتحد بالتالي من الأوبئة والأمراض التي ثبت أن معظمها سببه المياه الملوثة. لقد أكد التقرير أن 7,3 مليون سوداني يستخدمون مياهاً غير آمنة وأن 11,3 مليون محرومون من الصرف الصحي الآمن، وأضاف التقرير أن انعدام مياه الشرب الآمنة وغياب منشآت صرف صحي ملائمة يتسبب في تداعيات كثيرة وخطيرة، إذ يحرم الأطفال لا سيما الفتيات من حقوقهم في التعليم لانشغالهن بجلب الماء، أو يمتنعن عن الذهاب الى المدارس بسبب انعدام منشآت صرف صحي لائقة ومنفصلة. صحيح الأرقام التي حملها التقرير تعكس أن جهوداًً قد بذلت لتوفير المياه الآمنة وتكاد تغطي النسبة الأكبر من تعداد السودانيين، لكن الصحيح أيضاً أن النسبة التي أشار اليها التقرير وتتحدث عن ملايين أخرى لا يتوفر لها الماء الصالح، تشير بجلاء الى أن هناك مشكلة حقيقية لابد من الاعتراف بها، والعمل الجاد على إيجاد الحلحلة السريعة لها في ظل المخاوف المتنامية من ازدياد معدلات الإصابة بالأوبئة والأمراض في العديد من المناطق، وفي ظل أيضاً الحديث عن (سرطانات) مجهولة الأسباب تمثل الآن تحدياً فعلياً للجهات الصحية التي آن الأوان لكي تكون أكثر شفافية، لتفصح لنا بوضوح عن الاحصائيات المرضية وخاصة المرتبطة منها بالمياه، فهذه هي الطريقة الوحيدة للوصول الى وسائل علمية ومنهجية في معالجة العديد من الظواهر والمخاطر، بدلاً من ممارسة التعتيم واطلاق التحذيرات بعد فوات الأوان لمجرد ابراء الذمة. القضية إذن ذات شقين.. أولها يتصل بالجهات المعنية بتوفير المياه الآمنة.. وثانيها مرتبط بالجهات الصحية التي لابد أن تولي النتائج المترتبة عن الاستخدام غير الآمن للمياه المزيد من الاهتمام، منعاً لتردي الوضع الصحي.. وهذا لا يعني أن يقتصر الاهتمام على هذين الطرفين فحسب، وإنما لابد أن تصبح قضية دولة بكاملها وأن تجد الإرادة السياسية والتنفيذية التي تجعلنا أكثر اطمئناناً على مصدر مهم للحياة مثل المياه التي يملك السودان رافداً كبيراً لها هو النيل العظيم الذي وبقليل من الاجراءات الفنية والصحية يمكن أن يوفر المياه الآمنة للجميع. إن ارتفاع الوعي بخطورة المياه الملوثة وغير الصحية يساعد في التعرف على طبيعة المشكلة وتداعياتها الكارثية، ويسهم في استنفار الجهات الرقابية للقيام بمهامها ولفت نظر الجهات المعنية لبذل جهود إضافية في قطاع شبكات المياه وتأمين المصادر التي توفر المواصفات الصحية ومعايير السلامة المطلوبة . ماوراء اللقطة : لكي لا يموت الناس من العطش فهم يشربون المياه التي تتوفر لهم.. حتى إن كانت غير آمنة وضارة جداً بصحتهم.. وهي معادلة لا يمكن أن تجعل الدولة مكتوفة الأيدي وراضية بهذا الأمر الواقع.. وإنما عليها أن تمنع ورود الماء غير الصالح، وتحذر المواطنين من خطورته، وأن تجتهد أيضاً في إيجاد البديل الصحي والآمن.. فقضية المياه يفترض أن تجد النصيب الأكبر من ميزانية الدولة وأن تتصدر أولويات الجهاز التنفيذي.