يظل الشعب السوداني الحلقة الأضعف في خلافات الحكومة والمعارضة، حيث يخاطب كل منهما الآخر بلسانه وينصب كل منهما نفسه متحدثاً باسمه فى كافة قضاياه الحياتية، والمتابع لمسيرة الحركة السياسية يجد أن المؤتمر الوطني باعتباره الحزب الحاكم، يتحدث عن هموم المواطن التي هو بعيد عنها من خلال الغلاء الطاحن الذي أنهكه وجعله مستاءً للدرجة التي جعلت عدم وجود مساحة للتفاؤل بداخله، فكل ذلك نتاج السياسات الخاطئة التي تتبعها الحكومة لمعالجة كافة القضايا المتعلقة بمعاش الناس وأوصلته للكفر بها وعدم الإيمان بكل ما تطرحه خاصة مع بروز الحديث عن الفساد ومظاهر الغنى وسط بعض منتسبي الأجهزة الحكومية وأجهزة المؤتمر الوطني. وبذات القدر نجد أن القوى المعارضة تستخدم اللغة العاطفية تجاه الشعب في خطاباتها المختلفة إستدراراً لعطفه ومساندته لها .. يجاهر المؤتمر الوطني بأنه الممثل الرئيسي للشعب الذي يقول إنه انتخبه خلال الانتخابات الماضية لذلك نجده يتحدث كثيراً عن قناعة الشعب به، وإنه اختاره لأنه الأفضل من بين القوى السياسية في الساحة السياسية ويفاخر بأنه قدم ما لم تقدمه الحكومات السابقة له، لكن أفعال الوطني تخالف أقواله فيما يتصل بقضايا حياة الناس ومعاشهم في ظل الارتفاع المتواصل لأسعار السلع المهمة الذي أثقل كاهل الشعب وجعله في وضع لا يحسد عليه، لا يستطيع حتى التعبير عما يواجهه من مرارات في سعيه لكسب عيشه، وذلك عندما خاطب أحد المواطنين بإحدى المركبات العامة بلهجة حادة مجموعة من الركاب تدير حواراً حول غلاء المعيشة قائلاً (ما دي الشجرة الاديتوها)، في إشارة لتصويتهم للمؤتمر الوطني خلال الانتخابات الأخيرة. إذن هذه الصورة التي يعبر عنها الواقع الحياتي الذي لا يخفى على القاصي والدان، ولكن لا يجد الكثيرون المساحات الكافية للتعبير عن ما بدواخلهم.. وكثير منهم يؤثر الصمت باعتبارهم (جابوها لنفسهم كما يقول المثل الشائع). وفي خضم ذلك الحديث الذي يبدو أكثر واقعية من الحزب الحاكم عن أنه جاء بإرادة الشعب بغض النظر عن الطريقة التي تتحدث بها المعارضة عن التزوير وما شابه ذلك، مشككين في شرعية الحكومة.. نجد أن المعارضة والتي تخطط وتسعى جاهدة لإسقاط النظام.. مستفيدة من الثورات التي شهدتها وتشهدها بعض البلدان العربية وتعمل المعارضة لاستخدامها بشكل مستمر من خلال المنابر المختلفة لكسب عطف وود الشعب الذي هو في الواقع مغلوب على أمره بعد أن أنهكه غول الأسعار، وأصبح غير قادر على تلبية احتياجاته الضرورية في أغلب الأحيان.. وفي الوقت الذي تتحدث فيه عن الفساد والضعف في الخدمات التي تقدم للمواطن وأن الشعب غير راضٍ عن ما تقوم به الحكومة من تمكين لقياداتها بكافة السبل والذي بالطبع يؤثر سلباً على المواطن.. فإن المعارضة والتي تتشكل من أحزاب معظمها كان حاكماً في يوم ما أو شارك في جزء منها كحزب الأمة القومي.. والمؤتمر الشعبي الذي انشق عن الحكومة الحالية بمبرراته التي جعلته في خندق المعارضة ويرفض الدخول في حوار مع الحزب الحاكم، أسوة بالأمة والاتحادي الأصل اللذين يحاوران المؤتمر الوطني بشأن المرحلة المقبلة من تاريخ البلاد التي تحتاج للمزيد من التماسك في أعقاب انفصال الجنوب.. والتحديات التي تواجه حل أزمة دارفور حتى لا تصبح مرتعاً خصباً للمجتمع الدولي الذي لن يأتي إلا بأجندته. ويرى المراقبون أن الحملة التي تقوم بها الحكومة والمعارضة لكسب ود الشعب، لن تؤتي أكلها، باعتبار أن المواطن أصبح على دراية كاملة بما يواجهه من تحديات وماذا يريد كل طرف منه، فالمؤتمر الوطني بوصفه حزباً حاكماً ظل يقدم رئيسه وقياداته ذات الوزن الثقيل لتخاطب الناس بلغة يفهما عامة الشعب وتخاطب احتياجاته، ولكن على أرض الواقع لا ينفذ أياً من وعوده التي يطلقها من خلال الاحتفالات الجماهيرية التي يحشد لها الوطني قواعده لإيصال رسالة الرضا من قبل الشعب على الحكومة، وفي منحى آخر تتحدث المعارضة بأحزابها المختلفة عن معاناة الشعب والذي لا يستطيع أن يعبر عن ما يعانيه و(تستلف أو تتحدث).. المعارضة بلسان الشعب لتشكل ضغطاً على الحكومة، وبالتالي تحقق ولو جزءاً يسيراً من مطالبها.. وعندها لا يجد الشعب المغلوب على أمره أي من يسمع صوته وإيصال شكايته ويصبح فى كل الأحوال هو الخاسر الأول إذا صبر على الحكومة أو دعم المعارضة لإزاحة النظام من كرسي السلطة. والشواهد على استخدام المعارضة والحكومة للشعب والصعود على أكتافه لتحقيق أهدافهم نجد أن كل أو معظم الأحزاب التي تسعى للإطاحة بالنظام صاحبة تجارب سابقة في الحكم، فمثلاً ماذا قدم الإمام الصادق المهدي عندما كان في السلطة، للشعب.. وهل كان الشعب راضياً عن نظامه؟.. وماذا قدم المؤتمر الشعبي قبل انشقاقه عن الوطني الحزب الحاكم؟.. فأين كان الشعبي عندما كان الإسلاميون في بداياتهم يعملون بمبدأ سياسة التمكين والسيطرة على مفاصل السلطة، حيث كانت الوظائف تقدم لأبناء ومنسوبي النظام دون النظر لمبدأ الكفاءات والقدرات وهو ما ظل إلى يومنا هذا. إذن أن الحكومة والمعارضة لا يعملان من أجل الشعب ولكن من أجل المحافظة على الكراسي . بالنسبة للحكومة وإزاحة من هم على الكراسي بالنسبة للمعارضة.. والتي تعمل جاهدة على (كنس النظام) كما تدعي في خطابها للشعب، والذي وصل لدرجة الاستياء العام من كل ما يحيط به.. لأن الواقع يؤكد أن الصراع باسمه.. لكن المستفيد الأول من يتصارعون.. حيث لا مكان للضعيف والذي هنا تمثله حالة الشعب السوداني الذي علّم من حوله الثورات والوقوف ضد الظلم. ويؤكد المراقبون أن المشكلة الرئيسية في عدم وجود أدنى اهتمام من قبل الحكومة والمعارضة بالمواطن الذي يقع في درجة دنيا من اهتمام الطرفين، بجانب إعمال مبدأ الشفافية في كافة القضايا المتعلقة بما يقدم للموطن، وأهمها احترام عقله عند مخاطبته في قضاياه، فضلاً عن وضع تصور كامل لقضاياه واحتياجاته من قبل المعارضة والعمل على تنفيذها إن أسقطت النظام، وعلى الحكومة تلبية احتياجاته الحقيقية وتنفيذ متطلباته بعيداً عن الشعارات والتصريحات الجوفاء التي لا تنفذ حتى لا تترك المجال للمعارضة لنعتها بإضاعة حقوق المواطن وهضمها. إذن هناك أسئلة تنتظر إجابة الطرفين بعيداً عن اللغة العاطفية التي ينتهجانها في خطابهما للمواطن.. هل الشعب راضٍ عن ما يتحدثان به.. أم أنه يتخذ سلماً للصعود عليه لتحقيق أهداف ذاتية.. أم يظل الشعب فى الحالتين هو الضائع؟