لم أتمكن حتى كتابة هذه السطور من مهاتفة الأخ العزيز راشد همت معتمد البرقيق المستقيل لأسأله عن الأسباب التي دفعته دفعاً لتقديم استقالته، والعودة من وسط أهله وعشيرته في الولاية الشمالية، حيث كان مؤملاً أن يبقى ليساهم مع اخوانه في حكومة الولاية تحمل المسؤولية واداء بعض من دين الغبش والغلابا علي أبنائهم الذين تربوا في القري والنجوع، ثم أمسكت الخرطوم بتلابيبهم، وصعب بالتالي خروجهم من البندر وسفرهم الي هناك إلا في مناسبات الأفراح والأتراح. التقيت قبل أشهر أخاً عزيزاً من معارفنا ودُفعتنا، الذين نستعين بهم لترتيب أوضاع مسؤولياتنا.. أخبرني أن (راشدا) كان معه قبل أيام يشكو واقع المحلية التي وقع عليه تكليف إدارتها، وأنه يبحث عن معينات عمل أساسية لمساعدته في أداء واجبه.. قلت له إن همة راشد الذي أعرفه لن تفتر أو تتوقف بسبب شح المعينات، وضيق فرص الانطلاق، فهو من طينة الذين يستسهلون الصعب، ويركبون مخاطر البحث والتدقيق عن فرص النجاح، وفعل الممكن لا المستحيل، لمغالبة الظروف مهما قست.. وجارت، لكن فرصة ذلك اللقاء ومناسبة الحديث كانت نافذة لنطل منها على تجربة الشباب الذين تم تكليفهم لشغل مناصب دستورية في المؤسسات التنفيذية والتشريعية بالمركز والولايات وقريباً من التجربة هذه، وبعيداً منها، أرجو أن يعيد المهتمون بهذه القضية النظر في مشهد مهم، وصفحة عزيزة من صفحات ومشاهد ثورة الإنقاذ الوطني.. فبعد عشرين عاماً من سنوات الحكم دعونا نلتفت قليلاً الى الوراء لنقرأ أعمار الذين حملوا أكفانهم وتحملوا عبء المسؤولية في تلك السنوات واللحظات العصيبة.. حيث نجد أن أعمارهم تقارب أعمار شباب الدستوريين اليوم.. تنقص أو تزيد.. لا أعرف ما الذي حدث، لكن أحداً لم يكن يسأل عن موقع أو منصب أو يهتم بتفاصيل الحكم ويومياته إلا بالقدر الذي يهم تنفيذ المقاصد الكلية، التي اتفق الناس على تحمل تبعاتها.. وكلٌ في ثغرته وجبهة دفاعه.. مضت المسيرة الى الواقع والحال الذي نعايشه اليوم بانتصاراته وتراجعاته.. سلبياته وإيجابياته لكن علينا الاعتراف بأن طريقة التخطيط لبداية مرحلة التحول من الثورية الى الدولة تختلف اختلافاً كلياً عن الذي يجري ويحدث اليوم.. حيث لكل مرحلة ظروفها وآلياتها وأسلحتها.. وما أرجوه أن يتحمل شباب الإنقاذ تبعات هذه المرحلة، ويمسكوا بجد ويعيدوا النظر في كسبهم وماينتظرهم من تحديات داخل الوطن وخارجه مناسبة هذه المداخلة و(تداخلها) مع عنوان زاوية اليوم هو سؤال طرحته من قبل على عدد من الأخوة في أمانة الشباب بحزب المؤتمر الوطني وآخرين ممن يهمهم أمر التجديد في كل مفاصل وزوايا تجربة الحكم في السودان، بعد عشرين عاماً من حكم الإنقاذ.. وهي فترة تفرض التغيير بدوافع مخلصة وليست مغرضة، هذا إن كنا صادقين في أن تمضي التجربة كلها على هدى من صدق العمل وبصيرته.. سؤالي ملخصه: ماهي المعايير والأسس التي تم بناءً عليها اختيار المجموعة الحالية من الشباب في الجهازين التشريعي والتنفيذي بالمركز والولايات؟ والإجابة التي حصلت عليها تفيد بأن هناك منهجاً محدداً قد أتبع في فكرة الاختيار، والنسبة المحددة للشباب في كل موقع وولاية.. لكن تحديد الأسماء أو قل تحديد الشخصيات لم يتم فيه تدخل مباشر من القيادة إلا في مواقع محددة. والإجابة هذه تفتح باب السؤال مجدداً عن المنهج الذي تتبعه الأحزاب السودانية، خاصة في تجديد طواقهما القيادية في كل المواقع.. وفي حالة حزب المؤتمر الوطني يحتاج الأمر الى إجابة مخلصة وأمينة تعيد النظر في كسب تجربة الإنقاذ في تدريب وتخريج الوجوه القيادية والإدارية، وتوظيفهم بما يتناسب مع خطتها الكلية للإصلاح والتقدم الى الأمام.. وما أرجوه أن يعكف الأخوة في قيادة شباب الوطني لقراءة هذه التجربة بصدق وتجرد، وأن تخضع لتقييم عملي وفني بغرض الاستفادة من سلبياتها وإيجابياتها.. ولعل المدخل المناسب لورقة العمل الأساسية في مقترحنا هذا، البحث عن الأخ راشد همت ومراجعته في الأسباب التي فرضت عليه الاستقالة، فربما تكون لآخرين من أمثاله أسباب مشابهة تدفعهم للمغادرة دون أن يسأل عنهم أحد.