قال الإمام حجة الإسلام الغزالي في كتاب الصحبة: اعلم أن الألفة ثمرة حسن الخلق، والتفرق ثمرة سوء الخلق. فحسن الخلق يوجب التحاب والتآلف والتوافق وسوء الخلق يثمر التباغض والتحاسد والتدابر، ومهما كان المثمر محموداً كانت الثمرة محمودة. وعن الإخاء في الدين، وضرورة التحلي في الصحبة بالآداب والأخلاق الخيرة، حتى تؤتي ثمارها الدانية، أسوة وعوناً، وحضاً على فعل الخيرات، قال: قال صلى الله عليه وسلم في الثناء على الأخوة في الدين: من أراد الله به خيراً رزقه خليلاً صالحاً إن نسي ذكره وإن ذكر أعانه، وقال صلى الله عليه وسلم: مثل الأخوين إذا التقيا مثل اليدين تغسل إحداهما الأخرى وما التقى مؤمنان قط إلا أفاد الله أحدهما من صاحبه خيراً والصحبة الطيبة تعين على الاستقامة. الصحبة لأهل التقوى والاخلاص ومعايشتهم والحياة في رحابهم تتيح لنا أن نتأسى بهم ونأخذ عنهم ونتخلق بأخلاقهم. والتأسي بهم صلاح، والتشبه بهم فلاح. وقد صور النبي صلى الله عليه وسلم أثر الصحبة والمجالسة تصويراً بليغاً معبراً فقال: إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء، كحامل المسك ونافخ الكير ، فحامل المسك إما أن يحذيك (أي يعطيك)، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحاً طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد ريحاً خبيثة وجاء في كتاب آداب الصحبة للإمام أبي عبد الرحمن السلمي: إذا أراد الله بعبد من عبيده خيراً، وفقه لمعاشرة أهل السنة وأهل الستر والصلاح والدين، ورده عن صحبة أهل الهوى والبدع والمخالفين.. فإنه رُوى أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل ولبعض الشعراء: عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه فكل قرين بالمقارن يقتدى ومما شدد على التحذير منه صحبة أهل الجهل، يروى للإمام علي كرم الله وجهه قوله: لا تصحب أخا الجهل وإياك وإياهُ فكم من جاهل أردى حليماً حين آخاهُ يقاس المرء بالمرء إذا ما المرء ماشاهُ وللشىء من الشىء مقاييسٌ وأشباهُ وللقلب من القلب دليل حين يلقاهُ ومما يعدُّ من فرائد ما قيل في هذا الباب، ما قاله أحد العلماء: مَنْ جَلَسَ مع ثمانِيَةِ أَصْنافٍ مِنَ النَّاسِ؛ زَادَهُ اللهُ ثَمَانِيَةَ أَشْيَاءٍ: مَنْ جَلَسَ معَ الأغْنِيَاءِ؛ زادَهُ اللهُ حُبَّ الدُّنْيَا، والرَّغْبَةَ فِيها.. ومَنْ جَلَسَ مع الْفُقَرَاءِ؛ زادَهُ اللهُ الشُّكْرَ، والرِّضا بِقِسْمَةِ اللهِ تَعالَى.. ومَنْ جَلَسَ معَ السُّلْطَانِ؛ زادَهُ اللهُ الْكِبْرَ وقَسَاوَةَ الْقَلْبِ.. ومَنْ جَلَسَ معَ النِّسَاءِ؛ زَادَهُ اللهُ الْجَهْلَ، والشَّهْوَةَ، والميلَ إلَى عُقُولِهِنَّ.. ومَنْ جَلَسَ معَ الصِّبْيَانِ؛ زَادَهُ اللهُ اللَّهْوَ والمِزاحَ.. ومَنْ جَلَسَ معَ الْفُسَّاقِ؛ زادَهُ اللهُ الجَرَاءَةَ علَى الذُّنُوبِ والمعاصِي، والإِقْدامِ علَيْهَا، والتَّسْوِيفَ في التَّوْبَةِ.. ومَنْ جَلَسَ مع الصَّالِحٍينَ؛ زادَهُ الله الرَّغْبَةَ في الطَّاعةِ، واجْتِنَابِ المَحَرِمِ.. ومَنْ جَلَسَ مع العُلَماءِ؛ زادَهُ اللهُ العِلْمَ والْوَرَعَ..