الأدب الأفريقي: يوجد تاريخ قديم للأدب الأفريقي، وعلى مستوى (الكيف) يكون قادراً على استعمال اللغة، أما من ناحية (الكم) فالأدب الأفريقي يتميز بالثراء والغنى ولديه رصيد كبير من الأساطير و(الحواديت)، وقدر بعض علماء الفولكلور ثروة أفريقيا الأدبية بنحو ربع مليون قصة، وهناك رواة القصص وهم يسحرون الناس بأدبهم الرفيع، ويجتمع حولهم الناس في الأمسيات يسمعون ما يحكون، ويسمى هؤلاء الرواة سادة الحديث، ويدعونهم ب (خداعي الآذان.. وفي بعض قبائل أفريقيا وظيفة رجل يمكن أن يسمى (سيد اللغة) أو (اللغوي)، ويأتي مقام سيد اللغة بعد ملك القبيلة مباشرة، وهو المتحدث باسم الملك فيما نسميه الآن الناطق الرسمي ولكنه ملتزم بأسلوب أدبي وثروة من المعرفة وبلاغة لا تقاوم، وسيد اللغة هذا ملم إلماماً كاملاً بتاريخ شعبه، وتاريخ الشعوب المجاورة، وقد ثبت مثلاً أن الحكام كانوا خطباء على مستوى رفيع من البلاغة وعلى دراية بتاريخ الشعوب وعلى معرفة بشعراء العالم، فلقد استفاد بعنخي من أدب الشاعر العبراني أشياء، كما أن التراث الأفريقي كان يحوي الكثير من روايات سفر التكوين عن الخليقة الأولى، لأنه سفر البدايات حيث فيه أول القصص أول رجل وأول امرأة، وأول جنة، وأول ابن مولود من رجل وامرأة، وأول وعد بالفداء، وأول وعد بانتصار الإنسان على الشيطان، حيث نسل المرأة يسحق رأس الحية، وأول صانع خيام، وأول بناء، وأول مهندس، كما في الأدب الأفريقي العديد من الأمثال الشعبية التي يرجع أغلبها إلى سفر أمثال سليمان الحكيم، وسفر الحكمة، وحكمة يشوع بين شيراخ، كان سيد اللغة والذي تأتي مكانته بعد ملك القبيلة ملماً بكل هذه الآداب، وكان أشبه بالمحامي العام وعنده لكل عقدة حل ولكل ورطة مخرج، وإذا تكلم سيد الكلمة يقع كلامه في نفوس خاشعة وسط الصمت الرهيب، فهو ممثل موهوب يؤدي دوره بفن متقن ويقدر أن بجذب السامع الذي يجلس صامتاً لكي يسمع. وبجوار سيد الكلمة والذي هو شخص واحد يمثل الدولة سبطاً أو قبيلة، فهناك الرواة وهم على مقدرة بنظم الكلام شعراً ونثراً، ويتحدثون عن أمجاد القبيلة، ويرتجلون الشعر ارتجالاً، ويتكلمون إنشاداً موسيقياً يسري عن الناس ويعزي القلوب ويهيج الفؤاد، وكان الرواة يؤلفون طبقة اجتماعية متميزة ومنعزلة. مكانة الأدباء: وشهد الأدب الأفريقي منذ بواكيره الأولى ما يشبه الآن ندوات وحلقات الشعر، والمناظرات والجمعيات الأدبية والروابط الشعرية وهم يجتمعون ويتنافسون منافسة البلغاء. وللشعراء مكانة كبيرة في أفريقيا بحكم مقدرتهم على خلق الكلمات والإبداع شعراً، وهذه القدرة ينسبها الأفارقة إلى اتصال الشعراء بعالم الجن، فهم متلبسون أو مجذوبون.. يجذبون الجمهور ليستمع إلى أشعارهم، وهم يطوفون البلاد في رحلات أدبية، فإذا نزل الشاعر منهم قرية اجتمع الناس حولهم احتفاءً بهم، وحتى الآن يسمي البعض منا تسمية (شيطان الشعر)، وربما يرجع هذا التعبير إلى فكر القدماء عن الشعراء، وأرى أنه من الأفضل أن نسميه (ملاك الشعر)، فالشاعر في رقة الملائكة وفي تعاطفهم، لديه المقدرة الفذة على تصوير حكايات الحياة، وصياغة الشعر حكمة يحفظها الناس لتضيء لهم طريق الحياة. والشاعر في أفريقيا عادة طويل القامة، حليق الوجه تماماً، تائه النظرات، غائب عن الناس أو شبه غائب، يكاد يفيض بالاحتقار للغوغاء، وهو يصطنع الهدوء، وكأنه مخلوق من فصيلة أشرف من فصائل الناس، وعندما تأتي لحظة الأداء يرفع الشاعر ذراعه، وينظر إلى الجميع في استعلاء وهنا يصمت الجميع، ويتكلم الشاعر بادئاً الإنشاد ويشترك معه الجميع كأنهم (الكوراس) المهيب. وعندما نتحدث عن الأدب الأفريقي يمكن أن نقول الآداب الأفريقية، الأدب الأفريقي يوحد أفريقيا ولكن هناك جملة آداب مختلفة في جذورها وفي تطورها، وأغلبها آداب شفوية وذلك لأن الأبجديات الأفريقية حديثة المنشأ، وأقدمها لا تتجاوز سنة 1800م، بل إن ظهور الأبجديات أعتبره البشر شيئاً معجزاً ونشأت حوله الأساطير، فاليونانيون مثلاً يعتقدون أن مخترع الكتابة بطل أسطوري اسمه (كادموس)، وعلى اسمه سميت الأكاديميات، وفي ليبريا وسيراليون يعتقدون أن مخترع الأبجدية هو إله سيراليون في حلم من أحلامه، وفي غينيا إن رئيساً عظيماً من عظمائهم مرض مرضاً متصلاً لمدة سبعة أعوام ولما شفيّ أنشأ الأبجدية، ولهذا يعد أنه كان مريضاً بعلم الكتابة، وربما لهذا يقولون الآن إن الكتابة (مرضة) وإن القراءة أيضاً (مرضة)، ودليل هذا أن أول سوداني آمن بالسيد المسيح التقى به أحد تلاميذ المسيح وكان في مركبة يقرأ سفر أشعياء، ورحب الوزير بتلميذ المسيح الذي ركب معه المركبة وشرح له أن نبوات أشعياء تمت في السيد المسيح، وأرجو أن يحافظ أهل السودان على (مرضة) القراءة، فهي سر ثقافاتهم الواسعة وحديثهم الطلي الجذاب، وكل سوداني الآن هو سيد اللغة.