هاهي الأقدام وقد تراصت متساوية أو كما يفترض عند بداية خط السباق في ابريل القادم، الذي لن يكون ابريلاً لإسقاط ( باستيل) نظام حكم شمولي ليفتح بواباته للذين احتبسوا وراءه لينطلقوا في فضاء ثورة جديدة، كما شهد ابريل 1985 من القرن الماضي.. وإنما هو ابريل تكمن مآلات استحقاقه الديمقراطي المرجوة في رحم الغيب، لتخرج من جوف صندوق الاقتراع.. وهي مرحلة شابها طويلاً شيء من الترقب والحذر، ونظرة الشك في امكانية الوصول اليها بالسلامة، من طرف أغلبية الأحزاب السياسية والفعاليات الأخرى المعارضة، والريبة في جدية الحكومة ممثلة في حزبها الحاكم حيال العملية برمتها وهي مشاعر، صاحبها في ذات الوقت عدم اليقين في قوة الامكانات الذاتية لتلك الأحزاب، والمقدرة على قطع مسافة السباق الطويلة دون أن تتقطع الأنفاس في دورات حاراته المتعددة المستويات، بدءاً من رئاسة الجمهورية وليس انتهاء إلا عند سماع صافرة الحكم عند خط النهاية.. هو سباق يدخله الحزب الحاكم.. وهو يهز بسيف سلطته في الساحة.. ويغدق من فائض جيبه في إعداد سرادقه الأنيق.. ويمسك بقلم الإعلام في الترويج له.. بينما تنهض من تهالك الغياب عن الملعب الداخلي المباشر، تلك الأحزاب وهي تقدم رجلاً وتؤخر الثانية، وقد نفضت عن ثيابها القديمة غبار النسيان في دهاليز عقول الأجيال، التي تفرقت عندها ايدي سبأ من منطلق ( البعيد عن العين بعيد عن القلب) أو هي مقبلة على إيجاد مساحة لها في أفئدة الأجيال الجديدة التي عرفتها، إلا من خلال قصص تراثنا السياسي الديمقراطي الحزين.. بعد عقدين من الزمان لم يشهد أبناء هذه الأجيال الحديثة، حكماً غير حكم الإنقاذ في كافة تقلباته وتحالفاته.. وتعثر مشروعاته في مختبرات التجريب أو نجاحاتها التي ولدت في مخاض التكاليف الباهظة وكانت أرواح الشباب في الجنوب والشمال، وإهدار دمائهم في معتركات التنطع ثمناً كان هو الأغلى، وما إن برد الجرح في الحانب الأيسر من جسد الوطن.. حتى اشتعل حريق الظهر في دارفور، وكاد أن يمتد الى الخاصرة لولا عناية الله. هي مرحلة انقضت من عمر الحكم الشمولي الإنقاذي، ولا يمكن لجاحد مهما كان مغالياً أن ينكر ما أفضت اليه من نجاحات الغاية، بغض النظر عن الوسيلة التي امتطاها نظام الحكم لبلوغها، قياساً الى تربعه على سدة الحكم على مدى هذه السنوات الطويلة.. وهي فترة مترعة أيضاً بالإخفاقات كشأن الأنظمة الشمولية المكابرة والمصادمة، والتي غالباً ما تعد الرؤوس بعد قطعها لتتأكد من الذي كان ينبغي أن يشمله حكم الإعدام.. وهو مثل دراسة جدوى المشروعات بعد فشلها..بالطبع أن مواعين الحسابات لا يمكن أن تكون إلا صناديق الإقتراع من خلال صدق نوايا المتنافسين وتحكيم ضمائر المخترعين.. فالشعوب لا تتعلم إلا عبر الدروس القاسية ونحن قد دفعنا المهر.. حروباً وتشتتاً وتراجعاً تنموياً وعبئاً معيشياً، ناءت به الرقاب التي جرت تبعات تبادل لعبة الكراسي بين العسكر والديمقراطية الناقصة مسافات طويلة ولأزمان أطول.. وهاهي الفرصة ولعلها الأخيرة تمثل أمامنا ليست منة من أحد ولا ينبغي أن نتعاطى معها في خضم تخوفنا منها.. وعلينا أن ندخلها بكل ثقة باعتبارها حقاً مشروعاً لنا، صحيح أنه ابتعد عنا كثيراً.. ولكنه عاد الينا في النهاية بصرف النظر عن الذرائع الدافعة.. أو النتائج التي قد تتدخل فيها ظروف تفاوت المنعة وتباين الرؤى وربما غياب وضوح معالم البرامج المطروحة.. لكنها تظل خطوة في الإتجاه الصحيح نحو اكتمال التجربة، ولو في المرات القادمة التي يجب أن نمضي اليها عبر ابريل القادم، ونجعل منها دأباً راتباً تترسخ فيه ديمراطيتنا التعددية دون تغول من جهة وتأثير أو استحواذ من أحد.. لكل حشاش فيها فرصة السباق ليملأ شبكته ويفرغها في بيدره مكسباً خالصاً وشريفاً، طالما أنه ارتضى سكب العرق في أرضية الحقل السياسي.. وفق برنامج متجدد مسنبط في لحمته وسداته من تطلعات الناس، في ربوع البلاد، انطلاقاً من الدعوة الى التوحد والتماسك واقتسام الغلة بالتراضي والتساوي.. وحكم الذات وفق التفويض الشعبي وليس فرض الذات..هي بارقة لا بد من السير على اشعاعها، وإن شابها شيء دون الإفراط في التفاؤل الشديد ببلوغ مداها الأقصى.. ولكن بالرغم عن ذلك كله تبقى في أساسها سانحة لا يمكن لعاقل أن يفرط فيها.. ويضيع حق المشاركة المكفول له حتى الآن على الأقل.. ووفقاً لما يتراءى لكل ذي بصر وبصيرة. والله من وراء القصد.