بعيداً عن أعين البعض، يتبنى البنك الدولي تحريك بعض دول منابع النيل لاستحداث المزيد من المشروعات الزراعية ومشروعات الامدادات المائية للقطاعات السكنية وبناء الخزانات والسدود، وهذا كله بغرض إحداث زعزعة في الحسابات القديمة لتوزيعات مياه النيل، وغداً ستدخل أطراف أخرى أوربية وغربية لوضع المعايير الخاصة بحصص الدول النيلية.. والسؤال هنا ما هي المقاصد النهائية لزعزعة الأرقام القديمة في حسابات النيل؟ هل المقصود إحداث الصراع الأفريقي الأفريقي والوصول به إلى حالة الحرب مع دول المصب (مصر والسودان)؟ أم أن هناك استراتيجيات كبرى تستهدف إنسان أفريقيا لتمزيقه باستخدام ورقة المياه؟ لقد فرحت أفريقيا بإنشاء منظمة الاتحاد الأفريقي ومجموعة «دول الساحل والصحراء»، وهي آليات أفريقية المنشأ والفكرة والأهداف، وكم من مشكلات أفريقية تصدت لها منظمة «الساحل والصحراء» وقائدها ورائدها القائد الأممي معمر القذافي، وأخمدت نيرانها قبل أن تندلع كحريق يأكل الأخضر واليابس. اليوم أفريقيا في حاجة ماسة لحكمائها للجلوس والتفاكر حول نزع فتيل الأزمة بين مصر والسودان دول المصب، وبقية دول الأحباش العليا للنيل.. والمطلوب هو تشكيل لجنة «حكماء مياه أفريقيا» للتفاكر حول المشكلة وإيجاد حل أفريقي للمنبع يواكب الصحوة الأفريقية الجديدة في عبور القضايا الأفريقية الكبرى وعلى رأسها قضية المياه، إن قسمة مياه النيل قضية تهم عشر دول أفريقية من كبريات الدول الأفريقية المعنية بمشكلة قسمة المياه، فلماذا تترك دول الساحل والصحراء والاتحاد الأفريقي هذا التجمع الأفريقي، هذه الكتلة السكانية الهائلة نهباً للأطماع والمخططات الصهيونية؟.. إن أفريقيا موعودة بصحوة ونهضة كبرى بعد اكتشاف البترول في بعض أجزائها واستخراجه وتصديره وإقبال الشركات العالمية على الثروات الأفريقية، لذا فإن استقرار بلدان أفريقيا يعد ضرورة استراتيجية ليتمكن الجانب التنموي من النهوض وليتمكن إنسان أفريقيا من حصاد ثمار العولمة الاقتصادية والتنمية المستدامة، لهذا فإن تسليط الأضواء من قبل دول الساحل والصحراء والاتحاد الأفريقي لأزمة قسمة المياه طبقاً للمعاهدات والاتفاقات التاريخية التي أصبحت من ضروريات المرحلة لخدمة أفريقيا القارة والإنسان والمستقبل. عموماً نقول إن الموقف الذي اتخذته دول المنبع الثمانية في اجتماعها الأخير بمدينة الإسكندرية لهو موقف غريب على الفكر الأفريقي، لكن يوحي بأن أصابع اللوبي الصهيونية والتدخلات الأوروبية باتت واضحة وأن الهدف من ذلك هو تمزيق الكيان الأفريقي وخلق بؤرة صراع بين دول المنبع الثمانية ودولتي المصب مصر والسودان.. لخنق الدولتين ومنعهما من التوسع في المشروعات الزراعية والتنموية الكبرى.. علماً بأنه لا توجد في دول المنبع الحاجة الأساسية للاستفادة حتى من الحصة المخصصة لكل دولة، فما زالت هذه الدول إمكاناتها في التوسع في الأراضي الزراعية والمشروعات المائية محدودة مقارنة بدولتي المصب، خاصة من حيث عدد السكان واحتياجات الغذاء.. ونأمل أن تعيد دول المنبع حساباتها وتفكر في مسألة المياه الأفريقية بعين وعقل أفريقي بعيداً عن أي مؤثرات خارجية للحفاظ على النسيج العرقي والسياسي والثقافي والاجتماعي.