اهتم أهل دارفور اهتماماً عظيماً بحفظ القرآن الكريم وتلاوته وتقدير الحفظة وشيوخ الخلاوي المنتشرة هناك . وكان الكثيرون يفدون لهذه الخلاوي من مناطق نائية ودانية منذ نعومة أظافرهم وطفولتهم الباكرة ويكون أهلهم في حالة إطمئنان تام عليهم إذ أن أي طالب بالخلوة يمكن أن يحمل لوحه ويدخل بلا حرج أي منزل ويقدم له الطعام والشراب بكل أريحية وطيب نفس وكانت الحياة سهلة بسيطة لا تعقيدات فيها ويسمى أولئك الطلبة(المهاجرية) لأنهم هاجروا من قراهم طلباً لحفظ القرآن الكريم . وإن الإهتمام بالخلاوي وحفظ القرآن الكريم قديم في دارفور ومن أعظم الذين أولوه إهتماماً كبيراً السلطان علي دينار الذي عرف بحسه الديني الرفيع وكان يجل ويقدر الحفظة ويرعى الخلاوي ويهتم بشيوخها وطلبتها وهو الذي كان يرسل سنوياً المحمل للكعبة الشريفة وحفر في الأراضي المقدسة آباراً عديدة يشرب منها الحجيج وهي معروفة بآبار علي وللسلطان مآثر كثيرة جعلها الله في ميزان حسناته. وكان كثير من طلاب دارفور يتجهون بعد حفظهم للقرآن لمصر ليلتحقوا بالأزهر الشريف وكان لهم هناك رواق مشهور ومعروف بالرواق الدارفوري وبعد إنشاء المعهد العلمي بأم درمان أمه عدد كبير من أبناء دارفور وأقيم بالفاشر معهد علمي أوسط ثم ثانوي وكان بعض الطلبة يلتحقون بعد حفظهم للقرآن الكريم بالمعهد العلمي الشهير بمدينة النهود. وان كثيراً من الخلاوي بدارفور تحولت لخلاوي نظامية يدرس فيها الحساب والعربي وتبعاً لذلك قامت بعد ذلك مدارس صغرى كثيرة بدارفور وكان التصديق بقيامها يتم محلياً أما المدارس الأولية التي كان التصديق بقيامها يتم مركزياً بوزارة المعارف فقد كان عددها قليلاً وكان بالفاشر مدرسة أولية ذات نهرين وبها داخلية لإيواء التلاميذ القادمين من مناطق بعيده وعلى سبيل المثال فقد درس بهذه المدرسة في أربعينيات القرن الماضي الأستاذ أحمد إبراهيم دريج الذي أتاها طلباً للعلم من منطقة زالنجي وهذا يدل على قلة عدد المدارس الأولية في ذلك الوقت ولكن الشيء الغريب العجيب الذي يدعو للأسى والأسف ويؤكد الظلم الذي حاق بدارفور الكبرى في عهد الاستعمار انه لم تكن بها حتى عام 1947م مدرسة وسطى واحدة وكان بعض الأعيان والأثرياء والمستنيرين بحكم علاقاتهم الممتدة يرسلون أبناءهم لتلقي العلم في مدارس العاصمة وكان بعض رجال الإدارة الأهلية والأعيان يبعثون أبناءهم لتلقي الدراسة بمدرسة الدويم الريفية ومن ثم واصل هؤلاء وأولئك تعليمهم في حنتوب وغيرها من المدارس الثانوية ونال بعضهم من أبكار المتعلمين تعليماً جامعياً وفوق الجامعي. وفي عام 1947م تنادى التجار والأعيان والأثرياء والمستنيرون وجمعوا التبرعات بعد حملة استنفار واسعة وأقاموا مدرسة الفاشر الأهلية الوسطى وهي أول مدرسة وسطى بدارفور الكبرى وفي عام 1950م أسست مدرسة نيالا الأميرية الوسطى وأول مدرسة ثانوية بدارفور هي مدرسة الفاشر الثانوية التي أفتتحت في عام 1956م ضمن عدد من المدارس الثانوية التي أفتتحت في ذلك العام وهي مدرسة الخرطوم الثانوية ومدرسة ود مدني ومدرسة بورتسودان ومدرسة عطبرة وفي ستينيات القرن الماضي أقيم معهد التربية بالفاشر وهو أحد روافد معهد بخت الرضا.. وخلاصة القول ان المجتمع الدارفوري شجع ودعم التعليم وساهم في سد الفجوة وسعى بدعم المركز للحاق بالركب وفي العقود الأخيرة حدث توسع كبير وكثر عدد المدارس في كافة المراحل. وشهدت دارفور في السنوات الأخيرة وضعاً مأساوياً أدى لان تكون بعض المعسكرات مأوى للاجئين والنازحين من أبنائها ونأمل ان تلتئم الجراح وتعود دارفور لسابق عهدها ويعم السلام والأمان كل ربوعها. ونحن كمعلمين نحس بالأسى لان أعداداً لا يستهان بها قد فاتهم قطار التعليم وأصبحوا فاقداً تربوياً ولم يتمكنوا من فك الخط وأصبحوا يرسفون في قيد الأمية الأبجدية وتبعاً لذلك سيصبحون في مقبل أيامهم خارج اطار العصر ولذلك فإننا ندق ناقوس الخطر ونأمل ان تولى الدولة والمجتمع هذه القضية أقصى درجات الاهتمام بالسعي لايجاد معالجات اسعافية عاجلة بوضع مناهج لإزالة الأمية الأبجدية وتقديم المعلومات العامة الأولية من مواد دينية وتربوية مع تعليمهم بعض الحرف التي تعينهم على الحياة الحرة الكريمة وتنتشلهم من بيداء التيه والضياع ونأمل وضع برنامج إسعافي عاجل تصحبه عمليات إحصاء واسعة وبكل تأكيد أن هناك منظمات إقليمية ودولية جادة يمكن أن تساهم في هذا المشروع الحيوي الهام وتدعمه دعماً سخياً ونأمل أن يكون شاغلو الوظائف الدستورية والتنفيذية في المرحلة القادمة في ولايات دارفور الكبرى في همة السلطان علي دينار وقوة شخصيته وصلابة شكيمته ومضاء عزيمته. رئيس النقابة العامة للتعليم بالسودان