كما حاولوا استعمال ما يسمى المحكمة الجنائية الدولية وصغيرها «أوكامبو» فزاعة لارهاب الشعب السوداني وقادته، حاولت نفس القوى الاستعمارية الضغط على السودان وقيادته باستغلال أول انتخابات تشريعية ورئاسية منذ أكثر من عقدين، تارة بالتخويف من نتائجها وتداعياتها، وتارة بالتهديد بانسحاب بعض القوى والأحزاب من المعركة الانتخابية، ولكن السودان العظيم كان سيد المنتصرين في تجربته الديموقراطية التي أرادها البعض فخا له لدفعه الى مزيد من الاختلاف وصولا الى الاقتتال. السودان العظيم بشعبه وحضارته وتاريخه ، سلة الغذاء العربي، وخزان ثرواته المستقبلية، وواحد من أكبر الدول الإفريقية من حيث المساحة، عاش حلماً راوده منذ أكثر من 24 عاماً ،هو تاريخ إجراء آخر انتخابات تشريعية عامة، غير أن هذا الحلم لم يحل التحديات والأزمات التي يعرفها السودان من محاولة تعكيره أو حتى تأجيله أو إلغائه في ظل حالة الاستقطاب الجارية بين الحكومة وأحزاب المعارضة حول توقيت إجراء الانتخابات، وتوفير الظروف والأجواء المناسبة للخروج بانتخابات ذات شرعية وصدقية كبيرة. الانتخابات الحالية في السودان قد توصف بأنها انتخابات استثنائيّة، أو تعدّدية، أو حتى صعبة في ظل حالة المقاطعة، بأشكال متنوعة، والتي أعلنتها أحزاب رئيسية، ممهدة الطريق أمام مرشحي(حزب المؤتمر الوطني) الحاكم، لتحقيق فوز قد يكون طعمه أقرب إلى الخسارة لأنها تشعر بالألم لتغييب جزء من شعب السودان، آمال كثيرة عقدت على الانتخابات السودانية، التي تجري بين 11 و15 من نيسان أبريل ، كان يطمح منها طيّ صفحة الانقلابات العسكرية في البلاد، والعودة إلى الحياة الديمقراطية الاعتيادية، فقد خاض السودان في تاريخه الحديث خمسة انتخابات رئيسية لاختيار أعضاء البرلمان الوطني وثمانية انتخابات فرعية، غير أن الانتخابات الحالية مختلفة كلية عن سابقاتها من حيث الأهداف والمقاصد والتحديات، ولاسيما أنها تجري على ستة مستويات وبثلاثة أنظمة انتخابية مختلفة بالتزامن، يختار من خلالها الشعب رئيس الجمهورية ورئيس حكومة الجنوب وحكام الولايات ال25 والبرلمان الوطني والبرلمان الجنوبي وبرلمانات الولايات، وبالتالي تصويت الناخبين البالغ عددهم 16 مليوناً في الشمال ثماني مرات وفي الجنوب 12 مرة وعلى مدى ثلاثة أيام. العديد من التحديات والأزمات التي برزت قبل أشهر من موعد الانتخابات وتفاقمت في الأسابيع الأخيرة، ساهمت في دفع أحزاب رئيسية إلى المقاطعة، كالحركة الشعبيّة لتحرير السودان والحزب الشيوعي، قبل أن يعلن حزب الأمة بقيادة الصادق المهدي مقاطعته لها على كافة المستويات. هذه الانتخابات تمثل خطوة أساسية من الخطوات المقررة في اتفاق السلام الشامل الموقع بين الشمال والجنوب في العام 2005 والذي أنهى حرباً أهلية استمرت 22 عاماً، وهي تسبق الاستفتاء الذي سيجري في العام 2011 على تقرير مصير الجنوب، لكن المجتمع الدولي، وبالتحديد الولاياتالمتحدةالأمريكية ، أوضح أنه مهما كانت الانتخابات سيئة، فإن الأولوية هي إجراء استفتاء سلمي، والحال أن إجراء الانتخابات الحالية على تنوعها وشمولها وأهميتها، لا يشكل التحدي الأكبر والأهم من وجهة نظر الشارع السوداني، إذ تبقى أزمات دارفور والاستفتاء على تقرير مصير الجنوب، وإنهاء حالة النزاع بين الفرقاء السياسيين في السودان، التحديات الأبرز التي قد تغير من شكل وملامح مستقبل السودان الغني بتنوعه وثرواته البشرية والمادية على حد سواء، بينما يبقى أن يقف العرب مع السودان في مواجهة المؤامرات المتربصة بوحدته وسيادته وثرواته بغض النظر عن النتائج التي يمكن أن تتمخض عنها الانتخابات الحالية. فهل يتمكن الفائزون في هذه الانتخابات من الارتكاز على التفويض الذي منحه الناخب السوداني للدخول في مصالحة وطنية شاملة تحفظ للسودان وحدة أرضه وشعبه وكيانه ودوره العربي والافريقي والاسلامي.. دمشق آخر لحظة