ستات الشاي اللائي كنا نشاهدهن وهن يهرولن لحظات كشات البلدية والجمر يتساقط على أرجلهن وملابسهن، وهن يحتملن كل شيء بما في ذلك رميهن في «الكوامر» ومصادرة معداتهن التي جمعنها بشق الأنفس، للأسف قد اختفى أغلبهن مؤخراً من أمام المحلات التجارية والمناطق الصناعية بعد قرار والي الخرطوم بمنع مطاردتهن، إدراكاً منه بأن وراء كل واحدة منهن مأساة زوج هارب أو متهرب من المسؤولية تاركاً لها أطفالاً صغاراً، وقد استفاد من القرار الحبشيات القادمات بالجملة من أثيوبيا بأشكالهن الجميلة بعد أن ملأن الخرطوم المفتوحة الأبواب، حيث حللن محلهن في بيع الشاي، فالذي يزور الآن الأسواق أو المناطق التجارية أو الصناعية يجد كل شيء قد تبدل، وأن هناك مواقع مستأجرة في الأسواق لشاي الحبشيات في عرض متعدد الأشكال، ويجد تحلُّق رجال كثر حولهن يشربون ويشربون ويشربون، ففي الشهداء أم درمان هناك موقع جوار سوق الموبايلات مستأجر لحبشيات تباع فيه كباية الشاي بجنيه، وأن الحضور يشرب الفرد منهم أكثر من كباية في جو معبق بالبخور والأنس، ومثل هذه المواقع كثرت بالخرطوم، غير الأخريات اللاتي يعملن أمام المواقع التجارية والصناعية، وفوق هذا فإن جيوش الحبشيات قد تمددت للعمل في المنازل بلا ضابط أو رابط، وصار في كل حي هناك متعهد لتشغيل الحبشيات يطلب عمولة سمسرة في كل عملية ومقابل أي طلب لتشغيل أية واحدة منهن، بينما مكاتب الاستخدام آخر من يعلم، وقالت لي واحدة ممن يعملن في البيوت إنهن يعرفن كيف يدخلن السودان بطرق ووسائل لم تستطع السلطات السودانية أن تضبطها، مما يؤكد أن بلادنا المفتوحة صارت تواجه بجيوش نسائية من الحبش لا تعرف السلطات عددها، ولا ما تحمله من أمراض ولا ما ستؤثر به على سلوكيات الكثيرين، ويحدث كل هذا في ظل فتح الحدود والذي لا يحدث في أية دولة في العالم مثل ما يحدث في بلادنا المهددة بالعمالة غير الشرعية وغير المفحوصة صحياً، والتي تمارس العمل في مجالات مؤثرة على صحة الإنسان وتتعامل في طعامهم وشرابهم وتجد من يفسح لها المجال ويستأجر لها المواقع لتقدم الشاي وغيره بأسعار مرتفعة.. بينما السلطات تتحدث عن العمالة الوافدة وضرورة تقنينها ولا يتعدى قولها الكلام إلى العمل، فالذي يمر عصراً برئاسة السكة الحديد ببحري ويشاهد جيوش البنغال يظن أنه في بلادهم وليس في بلادنا، فالعدد يشير إلى أنه لم يبق هناك إلاّ كبار السن والمعوقون والنساء، وكذلك الحال في أعداد الأحباش المتزايدة كل يوم وآخر في اضطِّراد مخيف، ويقيني أن السلطات لو استطاعت أن تحصي الموجود منهم ولا أقول من هم في الطريق، فالرقم سيكون مزعجاً جداً ومؤرقاً خاصة وأن الدخول الذي تم ويتم كله جاء بطرق غير مشروعة، وتمارس صاحباته أعمالاً في مجالات تتطلب أن تعيد السلطات ترتيب أوراقها فيها لتحكم التنسيق.. فنحن لسنا ضد الأثيوبيين الأشقاء ولا أعتقد أن الحكومة الأثيوبية نفسها توافق على أن يتم الدخول منها إلى السودان بطرق غير مشروعة، أو توافق على هجرتنا لها بذات الطريقة.لذا فإن إعادة الذين دخلوا بطرق غير مشروعة إلى بلادهم عاجلاً من ضرورات وأولويات حكومة الخرطوم القادمة والسلطات الاتحادية، التي يجب أن تنسق معها حماية لنا من مخاطر هذه الهجمة وما يترتب عليها من سلبيات متعددة ومتنوعة.