تملكتني دهشة شاهقة، بل قل اجتاحتني ضربات زلزال هائل وصل الى سبع درجات على مقياس (رختر)، وهذه الدرجات السبع كافية تماماً..تماماً على أن تحيل الخرطوم الى مدينة من تراب.. ذلك حينما حاولت فك شفرة قرار تشكيل حكومة ولاية الخرطومالجديدة، وقد غابت عنه وزارة البيئة والآثار بالغائها، وهذا يقود بالطبع الى الغاء وظيفة البيئة في ولاية الخرطوم، وهذا أمر خطير لا يقدر مداه إلا الذي بعينه قذي أو فاقد للبصر والبصيرة، وعلي سبيل ذكر الكلمة الأخيرة تقفز الى الذاكرة حكاية (البصيرة أم حمد)، التي أودت حكمتها ذات الزوابع الرعدية الى فاقد (الثور والجرة)، وهذا ماحدث بالضبط في (غلوتية) الغاء وزارة البيئة والآثار في التشكيل الجديد لحكومة ولاية الخرطوم، إذ إن أصحاب القرار بالولاية اعتمدوا على الحي الذي لا يموت، وأماتوا وزارة البيئة والآثار، وبعد هذه (الإماتة) واستشعاراً بالخطأ الفادح حيالها، أرادوا معالجة الأمر ببث الحياة في فكرة ميتة، هي قيام مجلس أعلى ولائي للبيئة بولاية الخرطوم.. والمعلوم أن هناك مجلس أعلى اتحادي للبيئة يحمل اسم المجلس الأعلى للبيئة والموارد الطبيعية، وانشئ عام 1992م متزامناً مع مؤتمر (قمة الأرض) التي انعقدت بالبرازيل، والتي خرجت باصدار أجندة القرن الحادي والعشرين، كما خرجت بثلاث اتفاقيات للتوقيع عليها، وهي تغير المناخ، التنوع الحيوي، ومكافحة التصحر. عذراً سادتي للخروج عن النص في مسألة الغاء وزارة البيئة والآثار في التشكيل الجديد لحكومة ولاية الخرطوم، وذلك بإيراد بعض المعلومات البيئية والإشارة الى بعض المؤتمرات البيئية الدولية، وقصدت بذلك تنوير القارئ الكريم بأهمية البيئة سواء أكان ذلك على الصعيد الدولي، أو المحلي أو محلي المحلي، أي على الصعيد الولائي، وفي اعتقادي أن ذلك ليس خروجاً عن النص، وإنما هو اثراء النص ببعض المعلومات المهمة التي يمكن تقديمها في جرعات لاحقة. أعود الى مسألة قيام مجلس ولائي للبيئة بولاية الخرطومفي وجود المجلس الاتحادي، فأقول أن صوت العقل لا يقبل تقريباً أن يكون هناك مجلسان، واحد اتحادي وآخر ولائي في مكان واحد، وهذا له مابعده من التداخلات والتباينات والازدواجية الماحقة، إلا إذا أراد أصحاب القرار بالولاية القفز فوق الموضوع وتجاوزه فيما يعرف ب (فض مجالس)، وإذا كان الأمر غير ذلك اذاً لماذا تم الغاء وزارة البيئة والآثار في ولاية الخرطوم، في الوقت الذي كانت فيه أشواق البيئيين الإرتقاء بالوزارة لتحمل اسم وزارة البيئة فقط، وتذهب الآثار الى موقعها السابق بوزارة السياحة أو الثقافة مثلاً، حتى تتمكن الوزارة من القيام بمهامها الأساسية المنوطة بها. إن الاهتمام بالبيئة أصبح يتنامى كل يوم، بل كل دقيقة، بل كل ثانية في كافة جهات الدنيا الأربع، خاصة بعد المهددات التي أصبحت تحاصر كوكب الأرض، بتداعيات ثقب الأوزون والانبعاثات الغازية، ونأتي نحن في ولاية الخرطوم حاضرة السودان، ونلغي وزارة البيئة، وعليه وبما أننا من أوائل الدول الموقعة على الاتفاقيات والبرتوكولات الخاصة بحماية البيئة، كان علينا أن نطور الهيئات التى تتحمل هموم البيئة في السودان، سواء كانت اتحادية أو ولائية، ومن هذه المناسبات الدولية مؤتمر استكهولم الذي انعقد عام 1972م، وشارك فيه السودان، وقد خرج هذا المؤتمر المهم ببرنامج الأممالمتحدة للبيئة ومقره الآن بنيروبي، ومنها أيضاً مؤتمر قمة الأرض الذي ذكرته آنفاً. كل هذه الجهود الدولية ونأتي نحن في السودان وتحديداً في ولاية الخرطوم ونصدر قراراً بالغاء وظيفة البيئة في الولاية، ولعلي هنا أكون فعلاً أمام أمرين لا ثالث لهما، وهما إما أن تكون الخرطوم قد أصبحت (مدينة فاضلة) ونظيفة وشفيفة، ووصل فيها سقف الجمال والكمال درجة عالية، مثلها مثل أجمل المدن العالمية كالريفيرا، أو لوزان مثلاً، وأما أن تكون الخرطوم قد أصبحت مكباً هائلاً للقمامة والنفايات الالكترونية والتقليدية، والمعلوم أن هذه المكبات لاتحتاج عادة الى حماية بيئة، لأنها هي التي تنتهي عندها أعمال حماية البيئة، ولأن المكبات تعتبر أضخم (دربكين) يعمل بهمة عالية في توسيع ثقب الأوزون، يأتي قرار حكومة ولاية الخرطوم إعمالاً للمثل السوداني الشهير (إن غلبك سدها وسع قدها). وهكذا يا صحابي ويا أيها المواطنون الخرطوميون أنتم موعودن بثقب أوزون (ملاكي) وهيط يتربع في سماء الولاية، وبعدها الطوفان الذي سيغرق كل منظمات المجتمع المدني، العاملة في مجال البيئة، وفي مقدمة هذه المنظمات الجمعية السودانية لحماية البيئة، التي يقودها الدكتور معاوية شداد، وبعد الطوفان الآنف الذكر اقترح على الناشطين البيئيين خلع قمصانهم الخضراء، وارتداء فنلات زرقاء أو حمراء ويصبحوا ناشطين في المجال الكروي ويرتاحوا من مسألة البيئة (الما جايبه همها). وهكذا يا صحابي وأنا اتحدث عن البيئة والبيئيين والغاء وزارة البيئة والآثار في التشكيل الجديد لولاية الخرطوم.. سعدت كثيراً في اليومين الماضيين بالمقال الذي نشرته عروستنا (آخر لحظة) للصديق العزيز الدكتور محجوب حسن الخبير الوطني في مجال البيئة، الذي كان يتقلد منصب نائب الأمين العام للمجلس الأعلى للبيئة والموارد الطبيعية، الذي يقوده الآن الدكتور سعدالدين ابراهيم، ودكتور سعد الدين أكاديمي يشار إليه بالبنان وتعاونه كوكبة من الخبراء والعلماء في مجال البيئة، كما تعاونه كوكبة أخرى من الكوادر الوسيطة، في مقدمتهم الأستاذ ياسر الزين، هذا الشاب النشط الخلاق في مجال إعلام البيئة وعلاقاتها العامة، وإقامة تنظيم المعارض وهو يمثل طرازاً مختلفاً من الشباب الذين يؤمنون بعمل البيئة كواجب قومي، وليس كعمل من أجل الراتب الشهري، وهذا الطراز من الشباب مايحتاجه فعلاً العمل البيئي، إذ إن العمل الإعلامي والصحفي في مجال البيئة يمثل 40% من العمل، وهذا مايقوم به الأستاذ ياسر الزين.. والتحية له والتقدير لطاقته المتجددة في العمل البيئي. أما صديقي العزيز الدكتور محجوب حسن أقول أنه يتكئ على رصيد هائل من المعارف البيئية، حتى أنه أصبح مرجعية في هذا المجال، وقد سرني حقاً مقاله الذي نشرته(آخر لحظة) بعنوان: رسالة عاجلة الى والي الخرطوم، وقد حشد الدكتور محجوب في هذا المقال كل خبراته وساق كل الدفوعات اللازمة لابراز أهمية وزارة البيئة، وأظهر المقال أيضاً خطورة الغاء وزارة البيئة في حكومة ولاية الخرطوم ختاماً التحية والتقدير لقائد مسيرة ولاية الخرطوم الوالي المنتخب الدكتور عبدالرحمن الخضر.