قال لي أحد سياسيينا الكبار إن حزب الأمة هو أول من هرول نحو حق تقرير المصير لجنوب السودان وهو مُحق فقد وقّع حزب الأمة اتفاقية مع الحركة الشعبية عام 1994م في شقدوم وكان ذلك قبل اتفاق أسمرا للقضايا المصيرية وطبعاً قبل اتفاقية السلام الشامل الموقّعة في نيفاشا عام 2005م بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية. وقد وقّع عن حزب الأمة أمينه العام الراحل الدكتور عمر نور الدائم وعن الحركة الشعبية السيد سالفاكير ميارديت. ومن أهم ما ورد في ذلك الاتفاق ما يلي: (نُقِرُّ أن تقرير المصير حق أساسي للناس والشعوب.. نؤكد قبولنا لحق تقرير المصير لسكان جنوب السودان على أن يُمارس ذلك الحق عن طريق استفتاء حر تراقبه الأسرة الدولية). ويستغرب المرء كيف فات على حزب الأمة أن حق تقرير المصير أصلاً هو حق المستعمرات أي الشعوب الرازحة تحت نيْر الاستعمار وليس حق أيّة مجموعة من المجموعات داخل الوطن الواحد المستقل، وأن الجنوبيين مجموعة من المجموعات التي تؤلف الشعب السوداني الذي قرر مصيره عندما اختار الاستقلال منتصف خمسينيات القرن الماضي. ومؤكد أنه كان واضحاً لطرفي اتفاق شقدوم اللذيْن هما حزب الأمة والحركة الشعبية أن الاستفتاء قد يؤدي إلى انفصال الجنوب، وإذا كانت الحركة في أعمق أعماقها تسعى إلى الانفصال الذي تسميه الاستقلال، وبالمناسبة تُجرى هذه الأيام في الجنوب بروفات لنشيد وطني جديد، وباللغة الإنجليزية (كمان) فإن المثير للاستغراب أن يكون حزب الأمة تحديداً هو أول المبادرين لتفكيك السودان إلى دولتين. والاستغراب ناجم عن أن أحد أهم مكونات حزب الأمة هم الأنصار ذلك الكيان النبيل الذي كان هو حزب الحركة الوطنية في القرن التاسع عشر وهو الذي حقّق الاستقلال الأول في 26 يناير 1885م. ثم في القرن العشرين وبعد أن تحوّل الأنصار من كيان ينتهج الكفاح المسلح إلى كيان مسالم يؤمن بالعمل السياسي وسياسة لتحقيق الاستقلال فإنهم بمناوأتهم الصارمة للاتحاد مع مصر وبإثباتهم بالعمل خاصة في مارس 1954م أنه ليس كل السودانيين يرغبون في الاتحاد مع مصر رغم أن الحزب الذي فاز في الانتخابات التشريعية هو الحزب المنادي بذلك الاتحاد استطاعوا أن يخلقوا في مصر الرسمية وفي الحزب الوطني الاتحادي الحاكم في السودان احساساً بأن الأصوب والأسلم في تلك المرحلة تحديداً أن ينال السودان استقلاله، ولذلك فقد كان لحزب الأمة الذي أهم مكوناته كيان الأنصار دور في الاستقلال الثاني الذي أنجز منتصف خمسينيات القرن الماضي. لذلك يستغرب أن حزباً بهذا التراث، وبهذا الرصيد الهائل من الكفاح المسلح والعمل السياسي يكون من أوائل الداعين لمنح حق تقرير المصير لبعض السودانيين مما قد يسفر عن تقسيم البلد إلى دولتين.