يشكِّل الاستفتاء المرحلة الأخيرة لاتفاقية السلام الشامل وتعتبر هذه المرحلة من أهم مراحل الاتفاقية لأنها تمثل المحصلة النهائية للاتفاقية. أهمية هذه المرحلة كانت تقتضي أن يُفرز لها برتوكول خاص لمناقشتها. ما جاء في ديباجة هذه الاتفاقية من حديث سياسي عن الوحدة الجاذبة جعل المؤتمر الوطني يعيش في حلم جميل لأنه هو مهندس وصانع هذه الوحدة الجاذبة ولكن سياسات الحركة الشعبية وأفعالها وأقوالها وتصريحاتها العدوانية بددت أحلام المؤتمر الوطني في تلك الوحدة (الكاذبة)!! لقد فات على المؤتمر الوطني أنه غالباً ما تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن!! لقد أدى الخطاب الإعلامي والسياسي الوحدوي للحركة الشعبية دوره كاملاً حيث أوصل الحركة لمرحلة جني ثمار «الاستفتاء» التي خططت لها جيداً. بعد طول انتظار وتردد وافق الشريكان مؤخراً جداً على الجلوس للتفاوض لمرحلة ما بعد الاستفتاء. لا شك أن الكل يدرك أن استراتيجية مفاوضات السلام التي قادت لاتفاقية السلام الشامل تختلف تماماً عن استراتيجية مفاوضات مرحلة ما بعد الاستفتاء وذلك نسبة لأن المفاوضات التي تتم في إطار الدولة الواحدة تختلف عن المفاوضات التي تتم في إطار الدولتين، حيث أن المفاوضات الأولى كانت تجري بين الحكومة وأحد أقاليمها الذي تمرد عليها وخرج على سلطتها وهنا يمكن قبول التنازلات بقصد تحقيق السلام ووقف نزف الحرب والحفاظ على وحدة البلاد. أما المفاوضات الثانية التي تتم بين الشريكين حالياً فإنها تجري بين دولتين مستقلتين وهنا ينظر كل طرف من أطراف التفاوض على أن الطرف الآخر عدو له ولهذا يسعى كل طرف لتحقيق أكبر قدر من المكاسب لصالح دولته. من هذه الزاوية ينبغي على الحكومة ألا تقدم أي نوع من التنازلات كما فعلت في المفاوضات الأولى حيث قبلت التفاوض بحسن نية لا تبعد عن رؤية استراتيجية بمناقشة برتوكول المناطق الثلاث «جنوب النيل الأزرق وجنوب كردفان ومنطقة أبيي» بالرغم من تبعية هذه المناطق الثلاث للشمال على حسب الاتفاق الإطاري بمشاكوس. الجدير بالذكر أن هذه المناطق أصبحت اليوم مناطق للنزاع والصراع وربما يقود ذلك إلى قيام حرب جديدة بين الشمال والجنوب قبل الدخول في المفاوضات الجديدة، وعلى الحكومة أن تطالب الحركة الشعبية أولاً بأهمية وضرورة تنفيذ اتفاقية نيفاشا وذلك بسحب قواتها من جنوب النيل الأزرق وجنوب كردفان ومنطقة أبيي إلى جنوب حدود عام 1956م، ثانياً يجب على الحركة الشعبية أن تقوم بتجميع قواتها في مناطق التجميع التي حددتها الاتفاقية بعيداً عن تجمعات السكان. هذا الاجراء سوف يقود إلى تحرير إرادة المواطن الجنوبي البسيط من قبضة الحركة وبطش الجيش الشعبي، وسيقود ذلك إلى استفتاء حُر ونزيه ولا مجال فيه لتزييف إرادة المواطنين. على الوفد الحكومي المفاوض التمسك بهذا الموقف والثبات عليه حتى لو أدى ذلك إلى تأجيل عملية الاستفتاء إلى أجل غير معلوم. على الحكومة التمسك بأهمية وضرورة حسم نقاط الخلاف خاصة مسألة الحدود قبل الشروع في اجراء عملية الاستفتاء. عند مناقشة الديون الخارجية ينبغي أن يتم سدادها مناصفة بين الشمال والجنوب وذلك نسبة لأن هذه الديون صرفت على مشروعات قومية تم الصرف من عائدها على كل أقاليم السودان بما في ذلك الإقليمالجنوبي. يمثل البترول المورد الوحيد للجنوب وعند نقاشه ينبغي رفض أية فكرة لتصدير بترول الجنوب عبر الشمال ويجب وقف التصدير فور إعلان الانفصال. الجنوبإقليم غير منتج ويعتمد على شمال السودان في توفير غذائه وكل احتياجاته وحرمانه من مورده الوحيد سيقود إلى وقف الحياة بالجنوب وتعطيل دولاب العمل وسيؤدي كل ذلك إلى اضطرابات سياسية وأمنية ونشوب حرب أهلية بين قبائل الجنوب حيث أن الجيش الشعبي مبني على أسس قبلية. كل هذا سيؤدي إلى فشل دولة الجنوبالجديدة وهذا ما تخشاه الولاياتالمتحدةالأمريكية وحذرت منه صراحة بقولها بأنها لا ترغب في قيام دولة فاشلة بالمنطقة. كرت البترول يمثّل الكرت الرابح في يد الحكومة ويجب أن تستغله بذكاء حيث أنه لا مخرج حالياً لتصدير بترول الجنوب إلا عبر الشمال. أما تصديره عن طريق ميناء ممبسا فإن ذلك يستغرق وقتاً طويلاً وحينها ستكون دولة الجنوبالجديدة قد شبعت موتاً!! ويمكن للحكومة فقط أن تقبل بتصدير البترول لدولة الجنوبالجديدة عبر الشمال مقابل تنازلها عن حق تقرير المصير. علينا ألا نقوي أعداءنا حتى يقفوا على أرجلهم ثم يتغلبوا علينا. لقد حان الوقت لاتخاذ مواقف أكثر تشدداً مع الحركة الشعبية حتى نردها إلى صوابها ونكبح جنوحها وطموحها غير القابل للتنفيذ ويجب تشديد الخناق على الحركة الشعبية بفرض المزيد من الضغوط عن طريق قفل الحدود مع الجنوب فور إعلان الانفصال وقفل المجرى النهري وخط السكة الحديد وكل الطرق البرية المؤدية للجنوب ووقف أي شكل من أشكال التعاون مع الحركة الشعبية. إن هرولة المؤتمر الوطني نحو الوحدة لا تجدي بعد أن حسمت الحركة الشعبية أمرها نحو الانفصال حيث أصبحت اليوم تتحدث عن دخول الشماليين للجنوب بتأشيرة دخول وعن إقامة العلاقات مع إسرائيل وأصبحت تبحث في الاسم الجديد لدولتها وتسيير المظاهرات في يوم 9 من كل شهر للمطالبة بالانفصال وتسليط الأضواء على تلك المظاهرات لتخدع الرأي العام العالمي والإقليمي بأن الانفصال مطلب شعبي هذا بالإضافة إلى التهديدات المتكررة بإعلان الانفصال من داخل برلمان الجنوب بالرغم من عدم دستورية ذلك. كل هذا يدعونا لاتخاذ مواقف أكثر حزماً وحسماً لعدو لئيم خسر حُسن نية المؤتمر الوطني بالضعف. بالرغم من كل ذلك لا تظل آمال الوحدة قائمة إذا ما استطعنا تحرير إرادة المواطن الجنوبي البسيط من قبضة الحركة الشعبية وبطش الجيش الشعبي الذي قام بتزوير الانتخابات. إذا حصلت مفاجأة ومعجزة وصوّت الجنوب لصالح الوحدة هل ستقبل الحركة الشعبية بذلك؟! لا أظن ذلك بل ستشعل الحرب فوراً. السؤال هنا، ما هي الضمانات التي وفرتها الاتفاقية في حالة تصويت الجنوبيين للوحدة دون أن يؤدي ذلك إلى قيام تمرد جديد؟!! لا أظن أن مهندسي نيفاشا قد فكروا في ذلك!! خلاصة القول إن نتيجة الاستفتاء ستقود إلى طريق واحد سواء كان وحدة أم انفصالاً حيث أنها ستقود إلى قيام حرب طاحنة تتفجر فيها البلاد من داخلها للأسباب المعروفة للجميع. ختاماً، إن المصلحة العليا لبلادنا تحتِّم علينا أن نجرد أعداءنا من كل عناصر القوة حتى لا يستطيعوا تنفيذ مخططات النظام العالمي الجديد الذي تقوده الصهيونية العالمية التي تسعى لتمزيق وحدة بلادنا وتحويلها إلى دويلات صغيرة مفككة ومجزأة وفاشلة. علينا أن نُحكم الحصار جيداً على أعدائنا سياسياً واقتصادياً وإعلامياً وعسكرياً عن طريق تبني استراتيجية جديدة أكثر تشدُّداً وحزماً وحسماً بعد أن أثبتت استراتيجية حُسن النوايا الطيبة التي تبناها المؤتمر الوطني طيلة الفترة الانتقالية فشلها الذريع وبالله التوفيق. فريق أول ركن - زمالة كلية الدفاع الوطني أكاديمية نميري العسكرية العليا