لقد اكتشفت مؤخراً كم كبرت، كبرت لدرجة جعلتني أرى الحب صغيراً جداً، والخذلان والجحود كبيرين جداً، ما عادت قصائد الحب ورواياته الطويلة ترضي غروري وتثير لواعجي، فقد اكتشفت أن الحياة خارج قصائد الحب أصعب كثيراً، وأسوأ كثيراً، وأشد سواداً، وعلمت أن روايات الحب معظمها كاذب، فتوارت رومانسيتي خلف ظلال الواقع.. لقد أصبحت أكثر حكمة وموضوعية.. وما عاد نضجي هذا يقبل بقطعة خبز جاف مغموسة بسكر الحب.. ولا عشة صغيرة أتقاسمها مع رجل لا يملك من الدنيا سوى أحلامه.. ولا (فشار) أتسلى به وأنا أتسكع في مشية رومانسية على شاطئ النيل وحدائقه المجانية التي أكلت الأكاذيب نجيلها.. لقد أدركت بعد هذا العمر أن حضور المال قد لا يملك القدرة على شراء الحب.. ولكن غيابه يملك القدرة على قتل الحب وسواه. { ثقة أتعْلم لماذا كنت أثق بك؟ لأنني ما اعتدت تكذيب المقسم بالله.. ولا تصورت أن يغلظ أحدهم الإيمان زوراً بهذه الوقاحة والبرود، وأنت أقسمت على الإخلاص والتفاني.. ولم يكن أمامي سوى تصديقك والوثوق بك.. وبهذا كانت لديَّ قابلية أن أحب ذئباً لو أقسم لي بالله أن سيحميني، وكان لديَّ قابلية أن أثق بالثعلب لو أنه أقسم لي بالله أنه لن يغدر بي، وكان لديَّ قابلية أن احتضن عقرباً إن هي أقسمت بالله أنها لن تلدغني لدغة الموت.. وكنت على استعداد أن أصادق أفعى لو أقسمت أنها ستطوقني دون أن تكسر عظامي.. فكيف بعد كل هذا لا أصدقك.. وأنت تقسم.. وتقسم.. وتقسم؟! وليتني أدركت أنَّك في الأصل لا تعرف الله. { أكاذيب قالوا إن الحياة تستمر في دورانها ولا تتوقف خلف أحد.. وصدقتهم.. وأن لا أحد يموت وراء الآخر.. وأن الجروح تجارب وتشفى بمرور الأيام.. وأن «الحي أبقى من الميت».. وأن الدمع يغسل العيون.. وأن الانسان يكبر وينسى.. وأن (البعيد عن العين بعيد عن القلب).. وأن آلام الحب القديم يشفيها حب جديد.. وأنني يوماً سألتفت للوراء وأرى ذكرياتي وأضحك..! قالوا كل ذلك وصدقتهم.. خدَّروني بأكاذيبهم.. وخدعوني بمأثوراتهم.. فلا الحياة استمرت بعدك بالدوران في ذات الاتجاه.. ولا أنا بقيت على قيد الحياة كما يجب.. ولا استغنيت بالآخرين عنك.. ولا كبرت ونسيت.. ولا حين التفتُّ الى الوراء استطعت أن أقاوم دمعي لأضحك! { لعنة ملعون أيها الحب حين تدخلنا في سكراتك وتمهِّد لنا دروب الخطايا.. وحين تزين لنا الخيانة تلو الخيانة.. وحين تسرق منا أماننا وقناعاتنا وتنسف كل ما تربينا عليه.. وحين تعلمنا الكذب تلو الكذب.. وحين تتودّد إلينا لتسلبنا عقولنا وأخلاقنا ومبادئنا وقيمنا وتميت ضمائرنا.. ملعون أيها الحب المعاصر الذي تغوَّل على «مضامين» الحب فحوَّلها الى «أكاذيب»، وبدأت أيها الحب تدفعنا إلى الطيش واللامبالاة دفعاً مقيتاً، وتفنّنت في عرض بضائعك علينا وأنت تزخرف لنا الأحلام المستحيلة وتزين لنا الذنوب وتبيح ما لا يباح.. ملعون أيها الحب، وأنت تكسو كل قبيح ثوباً من الجمال، وتظهر الدنايا في ثوب قشيب، فيكون من أبرز سماتك اللا احترام، ولا مسؤولية ولا حياء ولا حب.. ملعون أيها الحب، وأنت تفقد اسمك. { تلويح: هي خطرفات، بعضها مصنوع وقد يصادف هوى في نفوسكم مثلما حدث معي.