كفت الإرشادات والتوجيهات التي انبرى لتقديمها المعنيون بتنظيم فعالية دورة الانعقاد الثانية (العادية) لمجلس الشورى القومي لحزب المؤتمر الوطني، كفت ممثلي الأجهزة الإعلامية المحلية والعالمية شرّ الإحراج الذي تعرض له بعضهم أثناء محاولتهم تغطية دورة الانعقاد الأولي للمجلس يونيو 2010م حينما عمد مسؤولو التأمين إلى إخراجهم من جلسات أحد التقارير المقدمة بصورة مباشرة دون أن يسبق ذلك توجيه عند الدخول بأن الجلسة مغلقة وحصرية على أعضاء المجلس، على ذلك توجهت نحو القاعدة الكبرى وفي ذهني أنه وبحسب الموعد المعلن للدورة نصف السنوية فإن القائمين على أمر مجلس الشورى قدموا ميقات انعقاد الدورة لبضعة أسابيع ربما للإجابة على تساؤلات الراهن السياسي الذي اتفق على أن قضايا استفتاء تقرير مصير الجنوب وأبيي ومشكلة دارفور تمثل اخطر وأبرز منعطفاته. ويعضد الاتجاه أن التقارير ال(5) التي وضعت بين يدي المؤتمرين، خصصت (3) منها للاستفتاء المزمع وقضية دارفور. فإلى جانب تقرير نائب رئيس الحزب للشؤون الحزب، نائب رئيس الجمهورية الأستاذ علي عثمان محمد طه، عن الأداء التنفيذي للدولة وتقرير نائب رئيس الحزب للشؤون السياسية والتنظيمية، مساعد رئيس الجمهورية، د. نافع علي نافع، عن الأداء السياسي؛ فهناك تقرير عن الاستفتاء يقدمه علي حامد وآخر عن المآلات الاقتصادية بعد الاستفتاء يقدمه الزبير أحمد الحسن وثالث عن إستراتيجية حل دارفور يعرضه د. أمين حسن عمر، رئيس الوفد الحكومي المفاوض في الدولة، وحتى كلمة رئيس مجلس الشورى القومي أبو علي مجذوب أبو علي فإنها ركزت بشكل واضح على القضايا الثلاث: (استفتاء الجنوب، أبيي ودارفور) والموقف الأخير لدول الاتحاد الأوروبي الرافض لمشاركة رئيس الجمهورية المشير البشير في القمة الأفريقية الأوروبية التي عُقدت الاثنين الماضي بالعاصمة الليبية طرابلس. وطالب أبو علي في كلمته بضرورة معاملة الدول الغربية بالمثل، بعد أن أشار إلى أن الحكومة أعطتهم المساحة والفرصة الكافيتين لإثبات نواياها الإيجابية تجاه السودان حكومةً وشعباً، وقال إن مجلس الشورى ومن خلفه الشعب السوداني على قلب رجل واحد للتصدي للمؤتمرات. واتفقت كلمة رئيس مجلس الشورى القومي أبو علي مجذوب أبو علي مع خطاب رئيس الجمهورية، رئيس المؤتمر الوطني، المشير عمر أحمد البشير، في أن جنوح قيادات الإنقاذ للتوقيع على اتفاقية السلام الشامل (نيفاشا) بقصد إحلال السلام دون أن يتم إرغامهم من أيما جهة داخلية أو خارجية على توقيع الاتفاق. وحملت عبارات رئيس المجلس ورئيس الجمهورية إشارات واضحة على أن انفصال الجنوب مسألة وقت لا أكثر، وقال أبو علي: نرى أن الوحدة خير لهم لو كانوا يعلمون ولو أبوا فنحن نحترم خيارهم ولكننا نأمل في أن تعود الحركة الشعبية إلى الصواب وعدم استغلالها من قبل الدول المعادية للسودان التي أشار إلى أنها لا تريد لهذه البلاد الأمن والاستقرار. انحصرت الجلسة الافتتاحية المسموح للأجهزة الإعلامية بحضورها في استعراض مقرر مجلس الشورى القومي، النور إبراهيم، لمحضر اجتماع الدورة السابقة 5 يونيو 2010م والتقارير التي قدمت، أعقبته كلمة رئيس مجلس الشورى ثم كلمة رئيس الجمهورية التي حملت بين ثناياها، بإجماع الإعلاميين الذين غطوا الفعالية، إشارات بوداع مبكر لجنوب السودان حتى وقبل إعلان نتائج الاستفتاء المزمع، وتطمينات لشعب الشمال بأن الانفصال لن يكون مهدداً للاستقرار والأمن؛ فقد توقع رئيس الجمهورية، في الكلمة التي ألقاها، انفصال الجنوب، لكنه أرسل تطميناته بأن اقتصاد الشمال لن ينهار رغم أنه سيفقد جزءاً من عائدات بترول الجنوب، مشيراً إلى أن استغلال الجنوب للمنشآت النفطية وخط تصدير البترول عبر البحر الأحمر سيغطي جزءاً مما سيفقده الشمال من عائدات النفط، وأكد أن لدى حكومته خططاً وترتيبات تحول دون حدوث (هزة) جراء الانفصال، وأوضح أنه وفي الحالتين ستكون هناك نهضة برامج جديدة. وقال البشير: «إذا حصل انفصال لا قدر الله وهو متوقع ويجب أن نكون واقعيين، فأول حاجة الناس ما تقول البلد حتنهار والاقتصاد حيقع»، وأضاف: «عندما وقعنا اتفاقية نيفاشا فقدنا (50%) من بترول الجنوب ورغم ذلك الإنجاز استمر، وأن ما تمّ إنجازه في الخدمات والتنمية شهد به الأعداء قبل الأصدقاء، مؤكداً أن الأرزاق مربوطة بالسماء وليس بالاتفاقيات أو الموارد، مشيراً إلى الاكتشافات التي تمّت في مجال الذهب والبترول في الشمال، وأوضح أنه وخلال عامين سيفوق إنتاج الشمال من البترول ما يُنتج اليوم. وكأنما قرأ رئيس الجمهورية ما يجول في أذهان عدد من الإعلاميين بخصوص ملاحظة غياب إعداد مقدرة من عضوية أبناء الجنوب في المجلس الشورى عن حضور الجلسة الافتتاحية، حينما قال: إن المجلس أذن لعدد من عضويته من أبناء الجنوب لانشغالهم بأعمال التسجيل للاستفتاء بولايات الجنوب ال(10). وقطع رئيس المؤتمر الوطني بأنهم ضحوا بالوحدة من أجل السلام، الذي نبّه إلى أنه أهم بنود إستراتيجيتهم من قبل الوحدة الوطنية، مشدداً على ضرورة الحفاظ على السلام، وقال سنحافظ على السلام حتى وإن جاء الانفصال، لأننا لو عدنا للحرب خسرنا الوحدة والسلام ولن نكون البادئين بالحرب ولن نعمل على زعزعة أمن الجنوب لأنوا «البولِّع» النار في بيت جاره ما بسلم هو، وأضاف: «البولِّع نار الحرب بتدفابا»، وقلنا إننا ضحينا بوحدة السودان من أجل السلام لذلك لن نكون البادئين بزعزعة الأمن في الجنوب كما يشيع البعض. وحول وجود أبناء الجنوب بولايات الشمال جدد البشير تأكيداته بأن أمن واستقرار وحماية المواطن الجنوبي في الشمال مسؤولية دينية أمام الله قبل أن تكون أمام جهة داخلية أو خارجية، موضحاً أنهم لن يسمحوا بالتعدي على أرواح أو ممتلكات أو حريات أو إقامة الجنوبيين في الشمال، وأن الحديث عن الجنسية أمر مختلف وأن إسقاطها لا ينتزع حقوق الجنوبيين في الأمن والحركة، وقال إنهم إخواننا وحتى وإن انفصلوا فستظل كل عناصر الوحدة التي تثبتت خلال السنين الماضية موجودة، وأن الانفصال لا يعني فصل العلاقات الأمنية والاقتصادية والسياسية. ولم يجافِ تواتر الخطاب الارتجالي لرئيس الجمهورية، رئيس المؤتمر الوطني، تكهنات وتوقعات المهتمين والشارع السياسي وحتى عضوية الشورى ال(357) التي تراصت على امتداد مساحة القاعة الكبرى بالمركز العام للحزب أمس الخميس، فالجميع قد سبق الكلمة بأنها ستحمل في جوفها إجابات لتساؤلات المرحلة المقبلة بكل تعقيداتها وحواشيها. وبعد تسليط الرئيس الأنوار الكاشفة على الاستفتاء انتقل لمسألة أبيي بحساب ما لها من ارتباط وثيق بتقرير المصير، مجدداً تأكيداته بأنهم لن يسمحوا بقيام استفتاء في منطقة أبيي تُستثنى منه قبيلة المسيرية وأنهم لن يسمحوا بأن تعامل المسيرية هناك كمواطنين من الدرجة الثانية في أرضهم وبلادهم، مشيراً إلى أن الوساطة الأمريكية بكل انحيازها للحركة الشعبية والوساطة الأفريقية اقتنعوا بأنه لا يمكن تجاوز المسيرية في أرضهم وبلدهم، لكنه أكد استمرار الحوار وصولاً إلى حل سلمي وعادل يرضي كل الأطراف، محذراً من خطورة محاولة فرض حل أحادي، وقال: النتيجة حينها ستكون كارثية على الطرفين. أما قضية دارفور فقد بدا واضحاً أن الحكومة ماضية في طريق الحل عبر قاعات العاصمة القطرية الدوحة، وأن الجدول الزمني لحل الأزمة يجب ألاّ يتعدى الشهر الحالي بأي حال من الأحوال. وقال البشير: حوارنا في الدوحة لن يكون إلى الأبد والدوحة آخر منبر للحل ومن أراد أن يلحق فعليه أن يلحق بالاتفاق الذي سيُوقّع، مشيراً إلى أن جهودهم مع الوساطة ستتواصل وصولاً إلى اتفاق قبل نهاية الشهر الجاري، وعلّق: «نريد أن نفضِّي ظهرنا من دارفور لنتفرغ لبقية القضايا». واختتم رئيس المؤتمر الوطني رئيس الجمهورية خطابه بدعوته عضوية المجلس إلى التماسك والابتعاد عن الشقاق والفتن، وأوضح أنه لا يوجد مبرر لخروج بعض الأصوات عن الالتزام الحزبي طالما أن هناك مجلس للشورى، وكرر: «عليكم بالشورى.. عليكم بالشورى.. عليكم بالشورى ووحدة الصف»، وأنهم بالتماسك سيتجاوزون كل العقبات.