{ في مدينة «شرم الشيخ» المصريَّة صادفت سودانيَّاً (قبطيَّاً)، وُلد في أم درمان، وكذلك أمُّه، وأبوه، لكنهم هاجروا إلى أستراليا منذ أكثر من «ثلاثين عاماً» ويقيمون هناك. تزوج الرجل من «سوريَّة» مقيمة في «سيدني» ، فأنجبا طفلاً شقيَّاً في حوالي الثالثة من عمره، ورغم انقطاع صاحبنا الطويل عن السودان وهو الآن في الخامسة والأربعين، إلا أنَّه ما زال يحتفظ بلهجة سودانية محببة لم تخطئها أذني منذ أول وهلة، والطفل الصغير متنازع بين اللهجتين «السودانية» و«الشامية»، فوالده ما زال حريصاً على الارتباط بالثقافة والتراث، بل والأطعمة السودانية، ويفتخر بذلك..! ولو أنَّك رأيت الرجل لظننت أنه - والصليب يتدلى على صدره - أحد السيَّاح «الأوربيين» على ساحل المدينة المصرية صاخبة الجمال، رغم ارتفاع درجات الحرارة بما يزيد أحياناً عن (سخانة) الخرطوم..!! ورغم المظهر والملامح الأسترالية، إلا أن ذلك المهاجر الفريد، ظل محافظاً على ثقافة وطنه (الأصل) سعيداً إلى حد الطرب وهو يحكي لنا عن ذكرياته بين «المسالمة» و(الخرطوم «3») وأنه ما زال يحب «القنقليز» و«الدوم»..!! القصة أعلاه مهداة إلى الآباء والأمهات السودانيين في دول المهجر، خاصة الأوربيَّة والأمريكيَّة ، الذين يعود أبناؤهم إلى السودان بألسنة (أعجميَّة)، وثقافات (أفرنجيَّة)..!! ولا يستحي أحدهم، أو إحداهن عندما يقول لمعارفه: (تخيل الولد ما بعرف عربي كويس.. ما عارفين نعمل ليهو شنو وهو هسه داخل الجامعة؟)..!! { وليس الذين يعيشون في أوربا، أمريكا وأستراليا وحدهم، فالأعجب أن بعض الذين يقضون سنوات الاغتراب أو حتى الإجازات في دول الخليج العربي، أو مصر الشقيقة، يرجعون إلينا وألسنتهم (معوجة)، يحادثون الناس بلهجات أهل تلك البلاد: (إيش فيك..؟!) ويظنون أنها ترفعهم درجات على (أهل العوض) المقيمين في بوادي السودان! { ولو أنك تجولت في المقاهي والكافتريات في بعض الجامعات الخاصة، أو وسط أحياء «الخرطوم» الراقية وأنديتها، لاكتشفت أن هناك جيلاً من العائدين والعائدات.. غريب الوجه.. واليد.. واللسان..!! { من يتحمل مسؤولية هذه الجريمة في حق هذه الأجيال..؟ آباؤهم وأمهاتهم .. أم سفاراتنا الغائبة النائمة في عواصم الفرنجة؟.. أم روابط جالياتنا هناك المشغولة بصراع (ساس يسوس).. وادعاءات النضال الكذوب دون أن تقدم أعمالاً وأفكاراً ذات نفع وقيمة لوصل الناشئة من أبناء السودان وبناته بثقافة وتراث وطنهم الأم الذي سيعودون إليه يوماً.. طال الزمن.. أم قصر؟ { تذكروا دائماً أنكم عائدون.. ولو على (توابيت) - أطال الله أعماركم - فلا تظلموا أبناءكم وبناتكم.. لا تفصلوهم عن الجذور.