{ وثلاثتهم يتحدثون عن ذكريات حلوة جمعتهم في الإذاعة السودانية، أو هنا أم درمان، تبارى الراحل ذو النون بشرى وعبد الرحمن أحمد وعمر الجزلي في سرد بداياتهم الأولى وهم يتلمسون الخطى في الإذاعة السودانية، ليسجل «أسماء في حياتنا» حكايا جديدة تروى بلسان معاصريها أو صناعها، عن الزمن الجميل، ولعلي قد اندهشت (للغة الحب) التي تحدث بها ثلاثتهم عن الإذاعة، وكيف أنهم كانوا يعتبرونها «أمهم» وبيتهم وملاذهم الآمن، لأقارنها بلغة السخط والغضب والحسرة التي جعلت عبدالرحمن أحمد حانقاً للدرجة التي يقول فيها إنه لا يريد أن تنعيه الإذاعة أو تمشي في جنازته، معقولة بس!! ما الذي حمل الرجل لهذا الشعور تجاه «أمه»؟ أو يفترض أن يكون السؤال بصيغته الصاح: ما الذي جعل الأم تقسو على ابنها وتتجاهله في عز أزمته ومرضه ومحنته؟ في حد عارف الإجابة؟ على فكرة ذات الغُصة التي هي الآن في حلق عبدالرحمن أحمد، رحل بها ذو النون بشرى، ومنيرة عبدالماجد الإذاعية القديرة تحدثني كيف أن تلفزيون السودان «ماطل» في أن يمنح الرجل حقه في برنامج تمّ بثه بذات الفكرة وذات الاسم، وهو ابن شرعي ل «ذو النون»، بأسماء جديدة وإعداد جديد، لا علاقة له بمخاض الميلاد أو تحسس الخطوات الأولى، وبعد ملاحقة وقطع قلب لمنيرة مُنح الراحل (خمسمائة جنيه) بعد وفاته، ما أظن أنه كان سيرضى أن يستلمها، وهي أقل بقليل من حقه المادي والأدبي والمعنوي، ومنيرة موجودة وتستطيع أن تحكي بتفاصيل أكثر. إذن هل سنلوم أحداً إن ترك عمله الإبداعي الذي يذوب فيه كالشمعة، وعمل ليه بقالة أو حتى محلاً للتمباك، طالما أنه سيضمن أن يجد وأبناؤه قوت يومهم أو بعضاً من مصاريف العلاج، حتى لا يتحول الى «عالة» وهو من كان «آلة» من الديناميكية والنشاط، و«آية» من الجمال والعطاء والإبداع. صدقاً أنا موجوعة، وإن ظللت أكتب لأسابيع قادمة لن يقل طعم الحرقة في حلقي من دموع عبدالرحمن أحمد وغيره من المبدعين والعمالقة الذين رحلوا وتركوا لأبنائهم مجداً من الأعمال الأدبية أو الفنية، لكن للأسف ما تركوه لا يشتري من الدكان رغيفاً ولا من الصيدلية دواءً ولا يكسي قميصاً أو حذاءً، فحصِّلوا مبدعي هذا البلد قبل أن يموت داخلهم الإحساس بالعطاء، لأنه (الضايق لدغة الثعبان لغيره حيخاف من جرّة الحبل)!! { كلمة عزيزة وأنا أستمع واستمتع بالحوار الجميل الذي يدور بين الثلاثي الجميل، لفت نظري حديث الأستاذ ذو النون بشرى، وكيف أنه كان يقضي ستة شهور تدريباً قبل أن يقول «هنا أم درمان»، وقال عمر الجزلي إنه قضى سنة كاملة قبل أن يقول هو الآخر «هنا أم درمان»، لأعرف الإجابة على سؤال ظللت أبحث وأفتش عن من يفك حيرتي فيه، حول الحال المائل لأداء بعض المذيعين والمذيعات الذين يظهرون على الشاشات ومن خلف المايكروفونات بأداء مهزوز وثقافة ضحلة ولغة عربية دارجها أكثر من فصيحها.. السبب أن هؤلاء يأتوننا طازة من النار وإلى الدار، يعني الواحد من بيتهم وللكاميرا طوالي، وعندما توجه له نقداً تقول لك حاشيته من المعجبين، والإعجاب هنا لا علاقة له بالأداء، يقولون لك اتركوه يتعلم!! يتعلم فينا؟ هو لَّمن ما متعلِّم الجابُه شنو؟ وجاء كيف؟ وعلى مسؤولية من؟ والمصيبة أنه يكون ما دارس إعلام، وما عنده موهبة، يعني فاقد للدراسة ولموهبة رب العالمين!! أوعى زول يقول لي الشكل مهم، لأنه الشكل ذاته في معظمه مزور وما حقيقي ومصنوع، وبالتالي نحن لا نتعامل مع شخص ولكننا نتعامل مع «شبح» فاقد للمظهر والجوهر! { كلمة أعز قدمت نسرين سوركتي حلقة جديرة بالمشاهدة من برنامج الوجه الأجمل مع المخرج بدر الدين حسني، إذ أن شخصية المخرج الكبير هي من الشخصيات التي ينسب إليها نجاح أي برنامج يستضاف فيه، لأريحيته وخفة دمه وذكرياته الثرة. براڤو نسرين، على جمال الطلة وجمال المفردة وحسن الأداء.