{ والمعنِي هنا هو الأب.. وعلى كل أُم ان تدرك تماماً أن زوجها هو ابنها الأكبر شاءت ذلك أم أبت، ومهما كان مستواه وعمره وقدره. فقد أثبتت الملاحظة والمعايشة اليومية أن معظم الآباء - إن لم يكن أكثرهم - يغارون من أبنائهم؛ لاسيما الطفل الأول في عمره المبكر، وهي حالة نفسية شائعة لا حرج فيها ولا غضاضة، وتُعد من الأمور الطبيعية في الفطرة البشرية، فلا تكابروا أيها الرجال. { وأكثر ما يميّز هذه الغيرة اللطيفة أنها لا تظهر على سطح العلاقات العائلية ولا تعبّر عن وجودها بشكل مباشر، وقد لا يلاحظها أحد أكثر من الزوجة نفسها إذا ما كانت دقيقة الملاحظة وحساسة وعلى علاقة طيبة جداً بزوجها تؤهلها لإدراك أي طارئ. وهي الوحيدة القادرة على التعامل مع الوضع الذي يحتاج صبراً وذكاءً أو مرونة. { وفي العادة ستلاحظين أن زوجك بدأ في الإتيان بتصرفات غريبة وأدخل العديد من التفاصيل على علاقته بك. ولأن معظم الأزواج الآباء لا يعبّرون عن غيرتهم من أطفالهم بوضوح - ربما لأنهم لا يفطنون إليها من الأساس ولا يواجهون أنفسهم بها - فسيحتاج الأمر أن تقومي باكتشاف تلك الغيرة بنفسك، فهي غيرة لها أعراض واضحة تتجلى غالباً في قيام زوجك بالتأفف الدائم ولو في صمت. وغيرته قد لا تفرق بين عمر الأبناء وربما تطال صغارهم وكبارهم، فيبدأ في المطالبة بطلبات عادية أو سخيفة أحياناً في الوقت الذي تكونين منهمكة فيه تماماً بالحديث مع أطفالك أو التسامر معهم أو ربما حتى اللعب والمداعبة. كذلك سيعمد زوجك الغيور للتدخل في حالة توبيخك لطفلك بشكل قد يزيد الأمر سوءاً وحتى قبل أن يستجلي الحقائق، أي أنه قد يبالغ في توبيخه له وكأنه يستغل الفرصة لإثبات ذاته أو النيل من غريمه. أيضاً ستلاحظين أنه يحاول أن يلفت نظرك إليه ويتمتع بذات الميزات التي ينالها أبناؤك، فيبدأ في التذمر لأنك لا تهتمين بإعداد ملابسه للخروج ويسألك عن أماكن أشيائه الصغيرة ليثبت لك أنك غير مهتمة به في حال لم تعرفي مكانها وقد يطلق بعض عبارات التأنيب على شاكلة (هو أنتي فاضية لينا) أو (ما مشكلة) أو (كتَّر خيرك) المغلّفة بالكثير من التقريظ عساه يدفعك للشعور بالذنب والتقصير تجاهه وتأنيب الضمير لإهمالك إياه. { على أي حال، يجب عليك أن تحتملي كل ذلك بتفهم عالٍ لهذه الحالة وراقبي كل الأعراض لتكتشفي الحلول، كما أنه يجب عليك أن تولي زوجك المزيد من اهتمامك مهما زاد ذلك من أعبائك، وعامليه على أنه أحد أبنائك ولا تنسي أنه الأساس في تكوين هذه العائلة، وحاولي أن تتغاضي عن طريقته الطفولية اللا إرادية في التعبير عن هذه الغيرة المغلفة كأن يعلّق بشكل ساخر على أي اهتمام تبدينه نحوه على اعتبار أنه نوع من (أداء الواجب) ومحاولاته الدائمة لإيجاد أسباب ومبررات للومك ومعاتبتك أو الصراخ في وجه الأبناء، وقد يلجأ أحياناً لاتهامك اتهامات صريحة قد تزعجك أو يحاول افتعال الأزمات بينكما فقط لأنه خرج من مركز دائرة اهتمامك. { ولمعالجة هذه الحالة العارضة أو التخفيف من حدتها عليكِ أن تتعاطي مع الأمور بحكمة على ألاّ يكون ذلك أيضاً على حساب الأطفال، فلا تقطعي انشغالك بهم فجأة مراعاةً لأبيهم؛ لأن ذلك سيزيد الأمر سوءاً على المدى البعيد ويشعر زوجك بأنه على صواب، كما أنه من الأفضل أن تمازحيه بأمور مضحكة تشير إلى غيرته هذه من طرف خفي عساه يستحي ويعود إلى وعيه ولكن لا تتعاملي مع لُب الموضوع بمزاج أو استهتار فالأمر من الأهمية بمكان لا يحتمل اللامبالاة. { ويجب عليكِ ألاّ تغفلي أمر أطفالك وشجعيهم دائماً بهمسة أو إشارة غير مباشرة لتركك لهم أثناء ملاعبتك أياهم بأن يسرعوا إلى والدهم للتحبُّب له وخلق علاقة حميمة ومستقلة معه، وخففي عنهم حدته المفاجئة وأوجدي لها تبريرات إيجابية بحيث لا تتأثر علاقتهم به بسبب ذلك. { أخيراً.. سيؤكد بعض الآباء أن الغيرة من الأطفال مجرد ادعاء وتهمه لا يقبلونها. ومهما كان عدد أولئك الذين سيخرجون علينا ثائرين لأنهم لم يصابوا بها؛ فإنني أؤكد أن (بعض) الآباء يشعرون بتلك الأعراض غير أنها غير مقلقة طالما كان بإمكاننا احتواؤها والتعامل معها. وفي كل الأحوال هي وعكة صغيرة سرعان ما تزول وربما تعاودنا أعراضها بين الحين والآخر على مدى عمر أبنائنا ولكنها حتماً لن تتحول إلى مرض مزمن. تلويح: لم تستطيعي بعد أن تتفهمي أن الرجال جميعهم (أطفال)؟؟!!