إذا كانت شعوب كثيرة على امتداد الكرة الأرضية أُعجبت بالثورة المصرية التي فجّرها الشباب يوم 25 يناير الماضي، وسمّاها البعض، ومنهم الأستاذ هيكل (الثورة النبيلة)، فهناك من لم يرضهم قط اندلاع هذه الثورة وفي مقدمتهم إسرائيل شعباً وحكومة وجيشاً ويميناً ويساراً ويهوداً متعصبين وصهاينة ملحدين.. والخ. ذلك أن نجاح هذه الثورة قد يؤدي إلى ما يُزعج إسرائيل ويُخيفها بأن تأتي قيادة مصرية جديدة يكون من أولوياتها إعادة مصر إلى ممارسة دورها القديم الرائد القائد الملهم في هذه المنطقة من العالم التي تشمل إفريقيا وآسيا وهو الدور الذي لعبته مصر في فترات كثيرة من تاريخها. وكان هذا الدور واضحاً في فترة حكم الرئيس جمال عبدالناصر الذي توفي في سبتمبر 1970م ليخلفه أنور السادات وظلت مصر تلعب دورها الرائد القائد طوال النصف الأول من السبعينيات ليأخذ في التراجع ابتداءً من نوفمبر 1977م عندما قام الرئيس السادات بزيارته الشهيرة إلى إسرائيل وما تلاها من حوادث ووقائع أهمها وأبرزها اتفاق كامب ديفيد عام 78، ومعها معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية عام 1979م. ثم بلغ الدور المصري في العالم العربي تحديداً أقصى درجات جزره وانكماشه في عهد الرئيس حسني مبارك الذي تطالب جماهير الشعب المصري هذه الأيام برحيله. وبعد رحيل الرئيس مبارك المتوقع، فإن أي نظام آخر لن تتحقق خلاله مثل هذه العلاقة القوية التي تجمع بين إسرائيل ومصر الرسمية. ومن الجائز جداً أن يأتي نظام رافض جملة وتفصيلاً لمعاهدة السلام المصرية الإسرائيلية وكل ما ترتّب عليها، وجاء في مجلة (ذي إيكونومست) البريطانية أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وجّه وزراءه عند بداية الثورة المصرية، بعدم الكلام العلني عنها. وكان نتنياهو يعبِّر عن قلق شعبه عندما أصدر بياناً بعد أيام من الصمت حثّ فيه على ضرورة المحافظة على معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية، مرحباً في نفس الوقت بتقدم القيم الديمقراطية في الشرق الأوسط. ثم أضاف أنه لا ينبغي السماح للقوى المتطرفة باستغلال العملية الديمقراطية للوصول إلى السلطة لتنفيذ أجندتها غير الديمقراطية مثلما حدث في إيران «وغيرها». وقالت المجلة البريطانية المحترمة إن «غيرها» كما يفهم كل الناس تعني قطاع غزة حيث فازت حركة حماس في الانتخابات عام 2006م وعندما مُنعت من تشكيل الحكومة الفلسطينية في القطاع والضفة الغربية قامت في العام التالي بالاستيلاء على السلطة في قطاع غزة. ومع كل الاحتمالات التي ليس منها أبداً أن يأتي بعد مبارك نظام صديق لإسرائيل، فإن المرء يعذر الإسرائيليين على هذه المخاوف والازعاجات التي سبّبتها لهم الثورة المصرية النبيلة.