تفتتح بها دائماً موائد احتفالات أعياد الميلاد للصغار، ويحبها الكبار للفكاهة التي تتضمنها في المصارعة على الكراسي بينهم لكسب الكرسي الوحيد المتبقي، وأظن أن معظمنا قد لعبها صغيراً أو كبيراً! أو على اقل عاش مغامرة مشاهدتها ضمن خيارات الألعاب في الرحلات الخارجية أو المناسبات، وتكون ممزوجة بالموسيقى التي تدار بينما يدور اللاعبون حول مجموعة كراس هي أقل من عدد اللاعبين - وهذه هي حبكتها - ويكون هناك الحكم أو المراقب الذي يتحكم في تشغيل الموسيقى التي تتحكم في دوران اللاعبين، وحالما يتم إيقاف الموسيقى يتسارع اللاعبون للجلوس على الكرسي الأقرب، والخاسر من لا يجد كرسياً يتوهط عليه! وعليه يبدأ الحكم أو المراقب في تقليص عدد الكراسي ليدور اللاعبون من جديد في الدائرة حتى تتوقف الموسيقى ويتوقف مصير لاعب معها بالخروج من نظام الكراسي ذاك. وذات عيد ميلاد صغير لابنتي تمت إدارة اللعبة نفسها من فرقة عيد الميلاد التي أدارت الفقرات، ولأنها كانت المرة الأولى التي تشاهد فيها اللعبة لم تستطع بعقلها الصغير أن تفهم لماذا ليس لديها كرسي مثل البقية لتجلس عليه حينما توقفت الموسيقى وشرعوا بالجلوس.. خاصة وأنها صاحبة عيد الميلاد.. نصف الزمن المتبقي للعبة قضيناه في شرح أنها لعبة لا غير، وأنها يمكنها أن تجلس على أي كرسي يعجبها، فقط عقب الانتهاء من الفقرة! لكنها لم ترض.. وبسبب خصوصيتها ذاك اليوم قرر المراقب الأساسي إجلاسها (كيتاً) في قوانين اللعبة، وظلت على كرسيها في دوران الموسيقى أو توقفها! وقد توقفت لدينا كناضجين الخاصية الاستشعارية بمسألة الحقوق هذه لدرجة أننا صرنا ندور بلا موسيقى خارجية وفي فراغات أزمان الكراسي المستقرة بذات غرور وتشبث طفلتي، فلا نستطيع رغم معرفتنا بالقوانين أن نقول لمن يجلس على الكرسي بغير حق: (ليس من حقك)، وبالتالي تعاد اللعبة ألف مرة دون أن يخرج منها أحد.. أما موسيقانا الداخلية فهي متربعة على كرسي الإعجاب بفنان واحد يجلس على كرسي المزاج خالفاً قدميه الواحدة تلو الأخرى، تلو الأغنية على رأسنا، فلا يمكننا توقيف زر موسيقاه للإفساح لفنان آخر بالجلوس معه، فنصبح كذلك متشبثين به ومناطحين بدلاً عنه كل من يقول (بستمع للفنان الفلاني) - وهذا الفلاني ليس ذاك طبعاً. إن طبيعة الإنسان ميالة إلى الاستحواذ والسيطرة، بكرسي أو غيره، منذ أن يولد وحتى أن يموت، وفي الفترة بينها تدور لعبة كراسيه المفضلة ويكون هو المراقب والحكم الذي يدير مفتاح موسيقى التشغيل.. يوقفها لنفسه متى أحس بأنه تعب ويجب أن يجلس على كرسي ليريح نفسه من الجري خلف كرسي، ويديرها متى دخل معه آخر في صراعه على كرسي.. لهذا حياتنا معظمها لعبة كراسٍ، ولو أنها مؤخرا افتقدت للموسيقى وأصبحت خشنة أكثر. أما أكثر ما يدهشني في لعبة الكراسي ومن يجيدونها، فهو: كيف يشعرون تمام الإحساس بوقت إيقاف الوقت على الجلوس.. وهم يدورون بدرجة تصيب تركيزهم بالدوار؟ كيف يجيدون إدارة الجلوس عليه لدرجة رفضهم لمن يحاول فقط الميل تجاه القعود وحفظه لحقهم حتى يكملوا دورتهم؟ فحيث أني فاشلة في معظم الألعاب، واكتشفت مؤخراً أنني لا أحسن لعبة - كهواية – أبداً، فلم ألعب (دسُّوسية) أو (صج)، مع البنات في ابتدائية عمري، ولم أنط الحبل في متوسطها، ولم أدر حول الكراسي في ثانويتها، ولم أكتب تعليقات بلا توقيع في عالي تعليمها، لهذا أعيش فضول تجربة لعبة الكراسي الآن بشكل عال وحساس، ربما أيضا كنوع من التدريب العفوي لممارسة متعمدة كي ما نستطيع بها المحافظة على مقاعدنا، حتى ولو لم تكن ذات أهمية ليدور حولها لاعبون! واللعب الآن مفتوحة موسيقاه التصويرية على كراسٍ قليلة ولاعبين أكثر في الحكومة الجديدة التي يجب أن تدير السودان بعد الانفصال. سؤال بريء من مستجدّة لعبة كراسي: من هو المراقب والحكم الذي سيضغط زر التشغيل ليجلس اللاعبون؟! ومن هو الذي له خاصية ابنتي في الاحتفاظ بكرسيه فوق القوانين؟!