مشكلة تجارة وزاعة القطن من المشاكل المستعصية في كثير من البلدان المنتجة لهذه السلعة الاستراتيجية التي تدخل في صناعات عديدة ومهمة بجانب مشتقاته التي تستخدم في زيوت الطعام وعلف الثروة الحيوانية، فضلاً عن ميزات أخرى عدة، ونسبة لأهمية هذا المحصول في السودان جلسنا مع المدير التنفيذي للهيئة الاستشارية الدولية للقطن الخبير الدولي الأمريكي؛ مستر تيري تاونسند، لمعرفة المشاكل التي تحيط بزراعة المحصول في أفريقيا والعالم وعمليات التسويق للأقطان في الدول المتقدمة للمقارنة. ننتهز سانحة التقديم لإزجاء الشكر للأخوين عبدالمنعم علي عثمان وأزهري عثمان الطاهر لتعاونهما معنا في إنجاز هذا الحوار.. نبدأ بنبذة قصيرة عن الهيئة الاستشارية الدولية للقطن؟ - هي منظمة دولية يطلق عليها اللجنة الاستشارية الدولية للقطن (ICAC)، وتعمل على التنسيق بين سائر الدول المنتجة والمستهلكة للأقطان الخام بصفة عامة، وهي اتحاد حكومات تقوم بدراسة اتجاهات الإنتاج والصادرات والواردات واستهلاك الأقطان الخام، ولها وظائف عدة، منها التعاون في الترويج وتنمية سوق القطن، وهي من منظمات الأممالمتحدة ذات الصفة المتخصصة، وتعمل بالتعاون مع سائر المنظمات الدولية في دراسة كافة الأمور التي لها فوائد عامة. وللإحاطة فإن فكرة إنشاء هذه اللجنة قد تمت في اجتماع دولي عقد بواشنطن في سبتمبر عام 1939 لدراسة الموقف القطني العالمي أمام ظاهرة كانت سائدة وقتذاك ولها تأثير سلبي كبير على أسواق القطن بسبب وجود مخزون عالمي كبير، حيث دعي لهذا الاجتماع بمدينة واشنطن ثماني دول رئيسية منتجة للقطن هي: البرازيل ومصر، والهند، والمكسيك، وبيرو، والسودان، وروسيا، والولاياتالمتحدةالأمريكية، بالإضافة إلى شركة تصدير القطن الإنجليزية، وشركة تصدير القطن الفرنسية، وذلك لمناقشة الموقف المتدهور المترتب على زيادة المخزون إلى مستوى يفوق الإنتاج العالمي. وكانت أهم قرارات هذا الاجتماع تأسيس لجنة استشارية يكون مقرها واشنطن تمثل فيها حكومات الدول التي شاركت في الاجتماع المشار إليه، وأن ينضم إليها ممثلون من دول مستوردة ومصدرة للقطن، على أن تعنى هذه اللجنة بالنظر في الأمور التي احتوتها القواعد والتعليمات سالف الإشارة إليها. مستر تيري.. هلا حدثتنا عن النسق الداخلي للعمل بالهيئة الدولية؟! - للجنة الاستشارية مدير تنفيذي ويشغل هذا المنصب حالياً شخصي د. تيرى تاونسند وعدة لجان فرعية، أهمها اللجنة الدائمة التي تتولى تسيير جميع أعمال اللجنة الاستشارية وتعقد اجتماعات شهرية بواشنطن لدراسة كل الموضوعات الاقتصادية والبحثية والإحصائية والمالية، وينتخب رئيسها من بين الدول الأعضاء وللرئيس نائبان، ولجنة الإدارة التي تتكون من جميع الدول، ويحضر اجتماعاتها الأعضاء الرسميون فقط، وتتولى كل الأعمال المالية والإدارية للجنة، وكذا لجنة بحوث الإنتاج التي تضم الخبرات الفنية من جميع الدول المشاركة، حيث تقوم كل عام بإلقاء العديد من البحوث الفنية والبحثية والمجموعة الاستشارية من القطاع الخاص، والتي أنشئت نتيجة التغيرات العالمية التي حدثت مؤخراً والاتجاه إلى الخصخصة وما إلى ذلك من أمور جعلت اللجنة تفكر في ضم القطاع الخاص بها، فأنشأت هذه المجموعة لتكون بمثابة حلقة اتصال بين الدول الأعضاء ذات الصفة الحكومية. الدول المنضوية تحت مظلة الهيئة الاستشارية للقطن، كم يبلغ عددها؟ - أكثر من خمسين دولة، بخلاف عدد من المنظمات الدولية ودول بصفة مراقبين، وقد عقدت اللجنة (64) اجتماعاً، (17) منها في الولاياتالمتحدة، و(4) اجتماعات في المملكة المتحدة و(3) اجتماعات في كل من الهند والقاهرة. ما حجم الرقعة المزروعة في الولاياتالمتحدة بالقطن؟ - حوالي (5) ملايين هكتار، ما يعادل (13) مليون فدان. هل تدعم الحكومة الأمريكية منتجي القطن؟ - الحكومة في الولاياتالمتحدة لا تدعم المزارعين. المعونات والدعومات التي تقدمها الحكومة للمزارعين ولمنتجي الأقطان مربوطة بالأسعار العالمية، والأسعار العالمية غير متدنية والمزارع يكتفى بهذه الأسعار، والأسعار في هذا الموسم عالية. تتدخل الحكومة لدعم المزارعين فقط في حالة تدني وانخفاض أسعار المحصول. عمليات بيع وتسويق الأقطان في الولاياتالمتحدة والدول الغربية المنتجة لهذه السلعة كيف تتم؟! - هناك (20) ألف مزرعة في الولاياتالمتحدة لزراعة القطن وكل مزرعة تحصد أقطانها وتقدمها للمحالج وبعد عمليات الحليج يدفع المزارع تكاليف الحليج، وتؤخذ عينتان من كل الأصناف وتسجل المعلومات الخاصة بكل بآلة ثم يعاد القطن محلوجاً للمزارعين بواسطة الهيئة الاختبارية للأقطان ثم يعرض المزارع أقطانه بعد أخذ العينات منها، ثم يتخذ من هذه العينات الوسيلة الوحيدة لحصر أقطانه وتستخدم التجارة الإلكترونية في عمليات بيع الأقطان، وهذا يعني أن تجارة القطن تجارة إلكترونية ويذهب المزارعون إلى الموقع الإلكتروني على الإنترنت ويتم العرض بآلات ويؤخذ التجار عينات ويختار التجار الموصفات الغزلية التي تعني النعومة والمتانة وطول التيلة، وخلاف ذلك. عندما يتم عرض القطن على التجار تحصل مفاوضة عبر الشبكة العنكبوتية، وعندما يتم الاتفاق على السعر الذي يرتضيه التجار والمزارع يتم تسليم القطن في المخازن، وكل ذلك يتم إلكترونياً. عملية شراء القطن على مرحلتين؛ التاجر يشتري القطن ويعرضه على صاحب الغزل بنفس الطريقة الإلكترونية ويتم عرض الأقطان عبر الكمبيوتر وتأتي مصانع النسيج وتختار الأقطان التي تناسبها ويتم بعد ذلك شحنها لمخازن الغزل والنسيج، والتجار يمثلون الوسيط بين المنتج وبين الغزال، والحكومة ليس لديها أي دور في عمليات الشراء، إنما العملية تتم بين التاجر والغزال والمنتج. ماذا تقدم الهيئة الاستثمارية الدولية للأقطان لأعضائها؟ - تقدم الهيئة الاستثمارية للأقطان ثلاثة أشياء؛ تخبر الحكومات بالتطورات التي تحدث في مجال القطن العالمي وتقوم بإعداد البيانات والمعلومات والإحصاءات اللازمة عن القطن العالمي لكل الجهات، والهيئة الدولية الاستثمارية للقطن تقوم بالتنسيق بين المنتجين والمستهلكين وتجار القطن من أجل تطوير القطن. ما موقع القطن السوداني ودوره في التجارة الدولية؟ - الإنتاج العالمي للقطن حوالي (25) مليون طن متري، والسودان ينتج نسبة بسيطة جداً من هذا الإنتاج. هذا يعني أن السودان ليس له دور كبير في السوق العالمي للنسبة الضئيلة التي ينتجها. السودان له دور مهم في إنتاج أقطان طويل التيلة، والصنف برٍكات يعتبر من أجود الأقطان العالمية ويرغب فيه كثير من التجار والغازلين، ويستخدم في صناعة المنسوجات الناعمة والدقيقة، ويعتبر من الأقطان الجيدة. ومن المؤمل أن تنتعش زراعة القطن في السودان بعد الإجراءات الأخيرة التي اتخذت من قبل السلطات والجهات القائمة على أمره في الموسم الحالي بزيادة الرقعة الزراعية بالقطن في الموسم القادم 2010-2011 ورفع المساحة إلى (100) ألف هكتار. زيادة الإنتاج المتوقعة ستعود بفائدة كبيرة على الاقتصاد السوداني في ظل ارتفاع الأسعار العالمية للسلعة. حسناً؛ برأيك ما أبرز المشاكل التي تواجه زراعة القطن في أفريقيا؟ - المشكلة التي تواجه زراعة القطن في أفريقيا هي أن إنتاجيته قليلة، فالإنتاجية العالمية حوالي (800) كيلوجرام للهكتار، بينما لا تزيد الإنتاجية في أفريقيا عن (350) كيلو جرام للهكتار، وهذا معدل بسيط واحد من مشكلات القطن في أفريقيا، ففي ظل ضعف الإنتاجية تظل هناك صعوبة في الحصول على مدخلات الإنتاج مثل الأسمدة ومبيدات الحشائش وغيرها. أيضاً هنالك مشكلة الري التي تعوق مشكلة إنتاجية القطن في أفريقيا بالنسبة الأقطان في العالم، فنسبة 60% من الأقطان تنتج بواسطة الري، ولكن في أفريقيا يعتبر موضوع الري صفراً لاعتماده على الأمطار. كذلك من المشاكل التي تواجه القطن الأفريقي أيضاً ضعف البنيات الأساسية، كالمخازن والطرق والاتصالات وخلافه، وهذه تضاف لمشاكل القطن الإفريقي، وهذا يعني ارتفاع التكلفة لمدخلات الإنتاج من الموانئ إلى مناطق الإنتاج والعكس، ونقل الأقطان والبذور من مناطق الإنتاج إلى الموانئ يكلف كثيراً، مما يضعف من القطن الأفريقي، والمزارع الأفريقي يتسلم عائدات قليلة من قطنه لارتفاع تكلفه الإنتاج، والعائد الضعيف لا يشجع على الأداء الممتاز لزيادة الإنتاجية فالدورة مستمرة، وبذلك لا يستطيع المزارع شراء المدخلات، القطن سيكون ضعيف الإنتاجية، لذا لا بد من تشجيع المزارع وزيادة كفاءة وتأهيل البنيات الأساسية حتى يستطيع القطن الأفريقي أن ينهض. هذا هو دور الاتحاد الأفريقي للقطن تحسين أداء القطن الإفريقي ودعمه بالمدخلات وخلافه، هذا هو الدور الذي يقوم اتحاد القطن. هل توثر الألياف الصناعية على تجارة القطن بوصفها منافساً قوياً للأقطان؟ - المستهلكون في أنحاء العالم المختلفة يستهلكون (80) مليون طن متري من الألياف ومن كل الألياف، من قطن وغيره، نصيب القطن حوالي (25) مليون طن متري والمنافس الرئيسي للقطن هو البولتسر. استهلاك البولتسر (50) مليون طن متري، أي نصف استهلاك الألياف في العالم. هنالك أثر على تجارة القطن ومنافسة هذا الصنف تؤثر في منافسة القطن للألياف لأنه يستهلك كميات كبيرة، وهذا هو تحدٍ كبير لتجارة القطن في العالم، فمنافس القطن هو البولتسر. هل يمكن أن تتراجع وتنخفض أسعار القطن؟ - في الأربعين سنة الماضية كان متوسط الأسعار حوالي (70) سنتاً للرطل، وفي الموسم الحالي بلغ متوسط الأسعار (160) سنتاً؛ ما يعادل دولاراً و(60) سنتاً، أي ضعف الأسعار في الأربعين سنة الماضية، وهذا محفز كبير للمنتجين لزيادة الإنتاجية، ولا يتوقع أن تنخفض الأسعار عن هذا المستوى، نتوقع أن تكون الأسعار للعام المقبل دولاراً واحداً للرطل، والعام الذي يتبعه ستكون أسعار الرطل (80) سنتاً للرطل، وهذا يعني أن الأسعار ستنخفض ولكن بمعدل أقل وسيستمر هذا الانخفاض بمعدل أقل ولكن لسنوات طويلة. مستر تيري ما المشاكل – من وجهة نظرك - التي تواجه زراعة القطن في السودان؟ - هذا سؤال يخص المسؤولين عن زراعة القطن في السودان..!! ولكن أستطيع أن أقول إن نفس المشاكل التي تواجه القطن الأفريقي هي التي تواجه القطن السوداني: ارتفاع تكلفة الإنتاج ومدخلات الإنتاج يجعل المزارعين لا يحسنون أداءهم في مجال القطن. إذن حدثنا عن إنتاجية فدان القطن في الولاياتالمتحدة؟ يحقق المزارعون الأمريكيون إنتاجية كبيرة ومقدرة للفدان هذا بفضل التقاوي المحسنة للصنف، بينها الفائق الطول، وأيضاً بفضل العمليات الفلاحية التي ينتهجها المنتجون، وتعمل الجهات البحثية على تطوير القطن باستنباط عينات محسنة، كالعينة (بيما). شكراً جزيلاً.. - مرحباً بكم.