إنهم أطفال شردتهم الظروف ولعبت الأقدار دوراً كبيراً في حياتهم فكانوا «إفرازاً» لكثير من مشاكل الحروب والتفكك الأسري والنزوح والنزاعات، إنهم الأطفال الجنوبيون «المشردون».. فبعد أن اختار الإخوة في الجنوب انفصالهم التام عن الشمال وأصبح لهم الحق في قيام دولة جديدة بكامل كلياتها ما وضع هؤلاء الأطفال بعد الانفصال وكيف حالهم؟ هذا السؤال وغيره من الأسئلة الأخرى المتعلقة بمصير هؤلاء الأطفال ظلت تحتاج إلى إجابة، فهل بقاؤهم بعد «يوليو» المقبل في الشمال سيفقدهم حقوقهم في المواطنة أم أنه ستكون هناك معاملة خاصة بالنسبة لهم؟ وهل حكومة الجنوب أعدت نفسها لاستقبال هؤلاء الأطفال وأنشأت الدور الإيوائية لهم؟ وما دور وزارة التنمية الاجتماعية والمجلس القومي للطفولة في ضمان حقوق هؤلاء الأطفال حتى لا تضيع؟ كل هذه الأسئلة سنجيب عليها من خلال هذا التحقيق، بين إدارة الرعاية الاجتماعية، ومركز «طيبة» بمحلية جبل أولياء. مراكز صديقة للأطفال في بداية حديثها أكدت دكتورة منى خوجلي؛ مديرة إدارة الرعاية الاجتماعية، أن التشرد ينقسم إلى نوعين: تشرد كلي وتشرد جزئي، وبالنسبة للأخير هو أن يكون الطفل موجوداً في الشارع خلال اليوم وفي نهايته يعود إلى أسرته، وفي الوزارة يقوم بالإشراف على التشرد الجزئي مجلس شؤون الأسرة والمرأة والطفل، وذلك عبر برنامج المراكز بتقديم الخدمات للطفل، وتتضمن هذه الخدمات برامج «اجتماعية - نفسية- تعليمية- ثقافية- ترفيهية» خلال فترة معينة في اليوم ثم بعد ذلك يتم دمج الطفل في التعليم بعد أن يبقى المركز فترة محددة. وتواصل دكتورة منى حديثها عن التشرد موضحة بأن النوع الثاني من التشرد هو «التشرد الكلي» وهو الذي يعني بقاء الطفل كل يومه في الشارع دون أن تكون لديه أسرة يعود إليها، فهذا النوع تشرف عليه إدارة الرعاية الاجتماعية، وهو نتاج إفرازات لكثير من مشاكل الحروب والنزوح والتفكك الأسري، حيث تقوم الرعاية بوضع الحلول عبر محورين؛ يكمن المحور الأول في الدور الإيوائية، حيث تقوم الرعاية الاجتماعية بالتنسيق مع شرطة أمن المجتمع بجمع الأطفال من الشارع وجلبهم للدور الإيوائية، ويقوم الباحثون الاجتماعيون بمعالجة قضايا الأطفال الاجتماعية والنفسية، ويجد الطفل في الدار العناية الكاملة من حيث المأكل والمشرب والتعليم والتدريب المهني. ويقوم الباحثون الاجتماعيون بمحاولة الجادة «للم شملهم» إيماناً منا بأن الوضع الطبيعي للطفل هو أسرته. فاقدو السند وعن الأطفال فاقدي السند تقول دكتورة منى إن مشروع حماية الأطفال فاقدي السند هو المحور الثاني للحلول، حيث بدأ هذا المشروع في عام 2010 بالتنسيق مع منظمة اليونسيف ويحتوى البرنامج على: أ- تدريب الباحثين الاجتماعيين. ب- توزيع الباحثين الاجتماعيين على نقاط ارتكاز بالمناطق التي يكثر فيها التشرد، وهي عبارة عن 13 نقطة ارتكاز، وذلك حتى يتمكن الباحث من التعرف على الطفل عن قرب وإنشاء صداقة معه، وبعد ذلك يحاول لم شمل الطفل مع أسرته من خلال البيانات التي يتحصل عليها من الطفل، وإذا تعثر على الباحث التعرف على أسرة الطفل نتيجة مشاكل في الأسرة أو عدم رغبة الطفل في العودة إلى أسرته يقوم الباحث بإقناعه بالذهاب إلى الدار الإيوائية، وكان من ضمن هؤلاء الأطفال عدد كبير من الأطفال الجنوبيين ومن وسط السودان، حيث تمكن الباحثون من التعامل مع حوالي ثلاثة آلاف طفل في الشارع وتم «لم شمل» ما يزيد عن ال 900 طفل في ولاية الخرطوم، بالإضافة إلى «لم شمل» 93 طفلاً في الولايات الشمالية، وذلك بالتنسيق مع المجلس القومي لرعاية الطفولة. كان هذا البرنامج في 2010م ثم بدأ المشروع حالياً في عام 2011م في متابعة لم شمل الأطفال بولاية الخرطوموالولايات الشمالية وبالجنوب، وما زال البرنامج مستمراً وتم إرجاع إعداد من الأطفال بولاية الخرطوم الذين بعد أن يتم تسليمهم إلى أسرهم من جهتنا نحن وزارة الرعاية تقوم «منظمة مجدودن» بالمتابعة اللاحقة بالتنسيق معنا. الأطفال الجنوبيون أما بالنسبة للأطفال الجنوبيين تقول دكتورة منى بأن هناك برنامجاً تم وضعه لهم للم شملهم، ويقوم البرنامج بالآتي: 1 - تقوم الرعاية الاجتماعية بالولاية بمتابعة لم شمل الأطفال الجنوبيين في دور الإيواء. 2 - لم شمل الأطفال الجنوبيين بالمنظمات. 3 - لم شمل الأطفال الجنوبيين بالأسواق ثم يقوم مجلس شؤون الأسرة والمرأة والطفل بمتابعة «لم شمل الأطفال الجنوبيين الموجودين في الإصلاحيات ومناطق التجمع ومناطق اللاجئين، وهذا العمل يكون عبارة عن تنسيق ما بين مجلس شؤون الأسرة والمرأة والطفل وما بين وزارة الرعاية الاجتماعية، وأيضاً بالتنسيق مع المجلس القومي لرعاية الطفولة الذي يقوم بتجميع كل البيانات من وزارة الرعاية والمجلس لتكوين قاعدة بيانات لولاية الخرطوم، كما يقوم أيضاً بتجميع البيانات كذلك للولايات الأخرى. وفي ذات السياق تفصح دكتورة منى عن الزيارة التي تمت مؤخراً إلى الجنوب والتي هي عبارة عن زيارة تنسيقية بين وزارة الرعاية الاجتماعية ومجلس المرأة والطفل بحكومة الجنوب، حيث قامت إدارة الرعاية، ممثلة لوزارة التنمية الاجتماعية والمجلس القومي لرعاية الطفولة واليونسيف، بتنفيذ تلك الزيارة، وذلك للتنسيق وتحقيق عملية لم شمل الأطفال الجنوبيين، وانبثق من الاجتماع المشترك تكوين لجنة مشتركة لمتابعة كيفية لم شمل الأطفال ووضع خطة مشتركة لتنفيذ عمل هذه اللجنة، وتم ذلك كله بالطبع بالتنسيق مع منظمة اليونسيف والتي تشرف إشرافاً كبيراً على عملية لم شمل الأطفال الجنوبيين بولاية الخرطوم، كما تقوم كذلك المنظمة السويدية وبلان سودان ببذل العديد من الجهود للم شمل الأطفال الجنوبيين بولاية الخرطوم بأسرهم بالجنوب. ماذا عن فقدهم المواطنة؟ وعن بقاء هؤلاء الأطفال حتى يوليو القادم تقول الدكتورة منى بأنه ما زالت عملية لم شمل الأطفال مستمرة وإذا لم يتم إرجاعهم حتى يوليو القادم فستكون عودتهم حسب الخطة التي سترسمها اللجنة المشتركة التي سيتم التوقيع عليها من قبل وزارة الرعاية الاجتماعية ومجلس المرأة والطفل بحكومة الجنوب ومعنا نحن في وزارة الرعاية في ولاية الخرطوم، كما ذكرت سالفاً، وعلى كل فإن إرجاع هؤلاء الأطفال يحتاج إلى وقت طويل. ما كنا نريد الانفصال بعد ذلك كانت وجهتنا الثانية مركز طيبة بمحلية جبل أولياء، حيث التقينا بمدير المركز الأستاذ محمد عوض فضل المولى ومدير مكتب الخدمة الاجتماعية الباحث الاجتماعي وهبي محمد أحمد الذي صحبنا في جولة داخل المركز، مؤكداً لنا بأن الأطفال المتبقين من الجنوبيين أصبح حوالي 74 طفلاً في المركز وجميعهم ليس لديهم الرغبة في العودة إلى الجنوب. وفي استطلاع ل«الأهرام اليوم» مع الأطفال من الدار حول ظروفهم وما رأيهم في الانفصال؟ أكد دود ميون (19 عاماً) بأنه أتى الدار منذ ستة أعوام وأنه لم يكن يريد أن يقع الانفصال ولا يريد أن يذهب إلى الجنوب لأنه لا يعرف عنه شيئاً. أما يود منون ديد (16 عاماً) فيقول: «خرجت من المنزل عام 2004م والظروف هي التي جعلتني أخرج، وأنا ندمان جداً لأني خرجت من البيت» وبالنسبة للانفصال أنا ما عايز أمشي الجنوب لأني (قمت) في الشمال». ويقول بولس قرنق - 13 عاماً - :«أتيت الدار منذ ستة أعوام ولا أدري لماذا خرجت من المنزل وبالرغم من انفصال الجنوب الذي كنا لا نريده أنا مضطر أمشي الجنوب لأن الانفصال وقع وخلاص». «أنا ماشي الجنوب لأنو أهلي هناك».. هكذا قال دود ملو سانتينو 18 عاماً الذي جاء إلى طيبة منذ عام 2002م ولا يعلم عن ظروف خروجه شيئاً ولكنه يؤكد «مقته» لانفصال الجنوب. وهذا الطفل «خميس جوج» 15 سنة الذي يقول لسان حاله: «عملوها الكبار ووقعوا فيها الصغار»، فهو خرج من البيت بعد أن حرضه بعض أصدقائه على الخروج، وهو بالرغم من أنه موجود في الدار منذ خمسة أشهر إلا أنه لا يريد أن يذهب إلى موطنه الجنوب ويفضل البقاء في الشمال. «مداو مجوك 16 عاماً» يقول: «خرجت من المنزل منذ أن كان عمري ثمانية أعوام من أسرتي في مدينة مدني، ووالدتي متوفية، اختلفت مع أسرتي لأنني كنت أريد الدراسة وهم منعوني ولا أريد الذهاب إلى الجنوب». وأيضاً «جمعة مجوك 15 عاماً» يرفض العودة إلى الجنوب نهائياً ويقول: «أنا اتربيت هنا في الشمال». بعد ذلك أكد كل من جمعة عبد الرحيم 20 عاماً وصابر حسين 20 عاماً وعبدالمولى 16 عاماً، وهم من أبناء النوبة، بأنهم يرفضون عودة أخوانهم أطفال الجنوب إلى الجنوب ويرفضون الانفصال ويقولون إنهم «سيظلون إخواننا وإن فرقتنا السياسة فإن الدم الواحد يجمعنا وحب الوطن».