سيدة في منتصف العقد الرابع من عمرها رسم الشقاء على وجهها تجاعيد قاسية تدل على تعبها وهمها، وجدناها تائهة بين أقسام الشرطة والمحكمة والمستشفيات وهي تحمل طفلتها البالغة من العمر (10) سنوات ويبدو أنها لا تقوى على المشي على ساقيها فأخذت تروي لنا حكاية إصابتها على يد أستاذ بالمدرسة جلدها بالسوط لأنها لم تسدد بقية الرسوم الدراسية البالغ قدرها (5) جنيهات فأدى ذلك إلى إصابتها بالعرج ودخلت في حالة نفسية كرهت بسببها الذهاب إلى المدرسة. ذلك كان مجمل القصة أما تفاصيلها فتقول والدتها (عائشة محمد أحمد) إنهم من أسرة لا تملك كثيراً من المال حالهم كحال أية أسرة هاجرت من موطنها بدارفور لتقيم بحي مايو فتخرج هي وزوجها للعمل لتوفير لقمة العيش لأبنائهما الثمانية (6 إناث وولدان) وأنهما رغم ذلك عجزا تماماً عن تعليم أبنائها الستة وأكبرهم عمره الآن (25) عاماً وفشلا في توفير الرسوم الدراسية ليتعلموا فكان آخر الأبناء (فطومة) وشقيقتها الكبرى اللتان التحقتا بمرحلة الأساس بإحدى المدارس القرآنية بمايو، و(فطومة) هي الفتاة المصابة، ومن أجل تعليم الفتاتين أصبحت بائعة متجولة تجمع القرش فوق القرش لتسدد الرسوم الشهرية وهي مبلغ (10) جنيهات وجنيه يومياً وأن ذلك المبلغ كبير عليهم رغم أنها سمعت كثيراً عن مجانية التعليم وأن الرئيس ألغى الرسوم ولكن الحال استمر في مدرسة بنتيها حتى جاء يوم الثامن والعشرين من يناير الماضي عندما أخبرتها طفلتها فطومة بأن الأستاذ طلب منها أن تحضر أحد والديها أو مبلغ (5) جنيهات متبقية عليها ولأنه كان يوم خميس ولها ديون على آخرين أخبرتها بأنها لا تستطيع الذهاب معها ولكن عندما تعود ستسلمها ال(5) جنيهات وخرجت على ذلك الاتفاق بينها وبين طفلتها وعادت مساءً تحمل ال(5) جنيهات فشاهدت طفلتها ترقد على السرير فطلبت منها أن تحضر لها ماء ولكن الطفلة ردت عليها بأنها لا تستطيع المشي لأن الأستاذ جلدها على قدميها وفي اليوم الثاني تورمت الأرجل فحملتها وذهبت بها إلى الأستاذ ليشاهد ما فعله في طفلتها التي لا ذنب لها فكان الرد بأن حاول ضرب الأم فحملتها إلى المستشفى ليصر الأطباء بأن تعالج بأورنيك (8) جنائي وفعلاً كُتبت لها روشتة بالدواء الذي يكلف حوالي (70) جنيهاً وعجزت عن توفيره وواصلت إجراءات الشرطة في مواجهة الأستاذ ومع مرور الأيام ازدادت آلامها وأصابت ساقها علة بجانب أنها رفضت الذهاب إلى المدرسة فأحست لأول مرة بإن أحلامها قد انهارت تماماً وأن ابنتها التي كانت تسعى لأن تتعلم أصيبت بحالة نفسية ولأنها سيدة لا تعرف شيئاً فشلت في متابعة إجراءاتها القانونية فنصحها الناس بأن تكلف محامياً لتولي ذلك ولكن علتها في المال فإذا كانت عجزت في توفير (5) جنيهات لابنتها حتى لا يحدث لها ما حدث فكيف لها أن توفر أتعاب المحامي ولكن السودانيين بخير فوجدت المحامي الشاب (مأمون سعيد مسعود) الذي تبرع بأن يتابع إجراءاتها بلا أتعاب وفعلاً قامت بتدوين بلاغ لدى شرطة حماية الأسرة والطفل تحت طائلة الأذى الجسيم لتقوم الشرطة بالقبض على الأستاذ وإطلاق سراحه بالضمانة وإكمال التحري وإحالة الملف لمحاكمته، وكما سخر الله لها المحامي (مأمون) تتمنى أن يسخر لها طبيباً يعالج ابنتها العرجاء التي ترتعد من الذهاب إلى المدرسة وأن يسخر القائمين على أمر التعليم لأن يعفوا بنتيها من الرسوم الدراسية وأن يجدوا مدرسة أخرى لفطومة وهي في العاشرة من عمرها وفي الصف الأول بالأساس لتتعلم فيها.