رغم أن ثورة الإنقاذ قد نجحت في تحقيق ثورة كبرى في مجال التوسع في التعليم العام والعالي، حيث نجحت الدولة في زيادة مؤسسات التعليم العام والعالي زيادة كبيرة مكنت الدولة من استيعاب الأعداد الكبيرة الهائلة من الطلاب الذين كان نقصان مؤسسات التعليم العالي والعام سبباً رئيسياً في تحولهم إلى «أرتال من الفاقد التربوي» وهذا التوسع الكبير لا تقدح فيه بعض الانتقادات السالبة التي توجه إلى بعض نواقص التأسيس ونواقص بعض المعينات التعليمية لأن قيام «مؤسسة جديدة بنواقص» خير من عدم قيامها، ولكن رغم هذا النجاح التوسعي الكبير الذي أتاح فرص التعليم لأعداد كبيرة من طلاب السودان إلا أنه في المقابل فقد قامت بعض القيادات التعليمية التي أشرفت على التعليم في عهد الإنقاذ بإحداث إخفاقات ونكسات كبيرة على مستوى المناهج وعلى مستوى تنظيم العملية التعليمية، خصوصاً على مستوى التعليم العام عندما قامت تلك القيادات بصورة متعجلة غير مدروسة باستخداث تغييرات تنظيمية ضارة ألغت بموجبها واسطة عقد التعليم؛ المرحلة المتوسطة، واكتفت بمرحلتين على مستوى الأساس والثانوي وقد كان لهذه الخطوة آثار جانبية سالبة جداً أحدثت ضرراً بالغاً بالعملية التعليمية وساهمت بصورة كبيرة غير مسبوقة في إضعاف مستويات الطلاب الأكاديمية، علاوة على آثارها الاجتماعية والنفسية السالبة والناتجة عن تجميع أعداد كبيرة من الطلاب صغار السن مع طلاب كبار، أعمارهم على حواشي مرحلة البلوغ، تجميعهم في مدرسة واحدة، كما قامت تلك القيادات أيضاً بإحداث تغييرات كبيرة في المناهج التعليمية في التعليم العام أحدثت خلخلة فظيعة في المناهج وخلفت دماراً شبه كامل في المناهج التعليمية، بل إن الذين قاموا بتلك التغييرات لم يكتفوا بتدمير المناهج وحسب وإنما امتد دمارهم حتى لحق التلاعب «بأسماء المواد» الأكاديمية الراسخة، حيث أدخلوا تغييرات غريبة في أسماء المواد واستحدثت «أسماء خنثى» لا تنتمي إلى الذكر ولا هي من الأنثى، حيث إنهم وفي ظاهرة غريبة أصبحوا يغيرون من أسماء المواد الراسخة والموروثة كما فعلوا مع مادة التاريخ التي أصبحت أسماؤها تتحول بين الفصل «السابع والثامن» من «نحن والعالم والإسلامي»، «نحن والعالم المعاصر» وكما فعلوا مع مادة الجغرافيا التي حول اسمها «الإنسان والكون» وكما فعلوا مع مادة العلوم التي تنقلت بين أسماء «العلم في حياتنا» «والغذاء والصحة»، والغريب أن كل تلك المواد التي تم تغيير أسمائها بذلك المسخ المشوه من الأسماء هي مواد راسخة تقابلها أسماء كليات في الجامعات، الأمر الذي كان يتطلب ترسيخ هذه الأسماء الموروثة والمحافظة عليها لدى الطلاب، كما أنهم لم يكتفوا بهذا الارتباك الكبير الذي تم على مستوى تغيير أسماء المواد وإنما أحدثوا خلخلة وربكة كبيرة داخل كل مناهج المواد في مرحلتي الأساس والثانوي والتي خلفت منهجاً مرتبكاً ضعيفاً أحدث تردياً وضعفاً عاماً أصاب مستويات الطلاب الأكاديمية والذي تشهد عليه امتحانات شهادة مرحلة الأساس في الولايات المختلفة والتي تظهر سنوياً ضعفاً عاماً في مواد الرياضيات واللغة العربية واللغة الإنجليزية وعدد من المواد الأخرى بنسبة ضعف تصل إلى «30%» في بعض المواد، وهذه النسبة الضعيفة التي ظلت تتكرر سنوياً تعتبر فضيحة في حق القائمين على أمر التعليم وتعتبر مؤشراً دامغاً على فشلهم وركونهم وتعايشهم مع الفشل والكوارث التي حلت بالتعليم، ورغم أن القائمين على أمر التعليم كانوا يفتخرون بأنهم نقحوا المناهج من بعض «الدروس المدسوسة» التي كانت تسيء لديننا مثل «طه القرشي» و«محمود الكذاب» إلا أن هذه القيادات نفسها ابتلعت «ذات الدس»، حينما وافقت على إدخال «مواد جنسية فاضحة» تدغدغ الغرائز في مناهج طلاب مرحلة الأساس اضطرت وزارة التربية بضغط من المجلس الوطني لإلغائها، كما أن التخبط والفوضى التي ضربت المواد لم تسلم منها حتى مادة التربية الإسلامية التي أسند أمر تأليفها إلى شيوخ قليلي التجربة في تأليف المناهج أغرقوا مادة التربية الإسلامية لطلاب الأساس تحت مرتكزات ومبادئ أطلقوا عليها «الكليات الخمس» ليشوشوا على الطلاب صغار السن بمبادئ وتعقيدات لا تستوعبها عقولهم، أما أكبر فشل وأكبر تدمير أصاب مناهج التعليم فيظهر بصورة واضحة جداً في مادة اللغة الإنجليزية التي ذبحت وحكم عليها بالإعدام، رغم أن اللغة الإنجليزية تعتبر اللغة الحية الأولى في العالم والتي كان طلاب السودان من أبرز المتحدثين بها، مع ملاحظة أن تجويد اللغة الإنجليزية لا يتعارض أبداً مع تجويد اللغة العربية، لذلك فإن إصلاح حال التعليم يتطلب وقفة عاجلة وجريئة بعيداً عن التردد والاضطراب «والبرود الإنجليزي» الذي تتعامل به وزارة التربية ويتعامل به الدكتور معتصم عبدالرحيم لأن كل الدراسات التربوية أثبتت أن تذويب المرحلة المتوسطة أحدث كارثة تعليمية تتطلب عودتها بصورة حاسمة لا تقبل التردد، كما أشارت عدد من الدراسات إلى أن خلخلة وإضعاف المناهج خلقتا ضعفاً كارثياً على عدد من المناهج أثر بصورة سالبة جداً على مستويات الطلاب الأكاديمية وبالتالي أصبحت القضية لا تحتاج إلى مؤتمرات ديكورية باردة تقوم وتنفض ولا إلى تنظيرات بيزنطية فاترة لممارسة الجدل والمراء وإنما تحتاج قضية معالجة التعليم إلى قرارات جريئة وشجاعة وسريعة وحاسمة مثل السيف، لأنه ليس من العيب الاعتراف بالخطأ أو الرجوع إلى الحق وإنما العيب كل العيب هو الإصرار والتمادي في الخطأ والذي ظل يتكرر منذ سنوات وقيادات التربية الذين أسندت إليهم الدولة حراسة ثغرة التعليم يتفرجون بتلذذ على العملية التعليمية وهي تذبح ويتنزهون على سواحل دمائها المسفوكة وهي تسفح، لذلك يا عزيزي دكتور معتصم عبدالرحيم إن التردد في اتخاذ القرارات الجريئة ليس في مصلحة العملية التعليمية التي أصبحت تخرج أجيالاً من الطلاب أكثر ما يميزهم هو الضعف الأكاديمي والضعف الثقافي العام وهو الأمر الذي جعل كثيراً من الأسر تزهق ميزانياتها الشحيحة في البحث عن المدارس الخاصة بعد أن كانت مدارس الحكومة هي «وسام الشرف» الذي يبحث عنه أولياء الأمور خلال عصر التعليم الذهبي عندما كان دخول الطلاب إلى المدارس الخاصة يعتبر «عيباً أكاديمياً» يستحى منه الطلاب والأسر، كما ينبغي على الدولة أن تنظر بعين الإصلاح لأحوال المعلمين وإصلاح وضعهم المالي حتى لا تتحول وظيفة المعلم الحكومي إلى وظيفة من لا يجد وظيفة، وحتى لا تتحول الكوادر التعليمية النادرة إلى «كائنات سلعية» تمارس ضدها السمسرة في «أسواق بصل التعليم الخاص» التي ساهمت في قيامها وزارة التربية بسبب إهمالها للتعليم والمعلم.