انطلقت الشائعات هنا وهناك وسيطرت بصورة كبيرة على تفكير كل السودانيين بأن يوم التاسع من يوليو سيكون يوماً شبيهاً بيوم الاثنين الأسود وستسيل الدماء في الشوارع وأن الجنوبيبن لن يغادروا الشمال بهدوء، خاصة وأن الكثيرين يرون في جون وإخوانه ذريعة حقيقية للحقد والعنف متأصلة منذ سنوات الحرب الأولى بين الجنوب والشمال ومن الصعب استئصالها. وأضحت الشائعات تزداد بعد أن تناولت بعض الصحف أن هناك خلايا نائمة في طريقها للخروج في هذا اليوم, وكل يدلي بدلوه في الموضوع وكل يقول ما يدور في خاطره و"معاها كوز كبير من الماء كبهارات» وإثارة للقصة في المجالس وفي الشوارع وعند أصحاب الخضار وصار الشغل الشاغل لهم، حتى والدتي انجرفت في نفس الاتجاه وخرجت من المنزل بصعوبة في ذاك اليوم ظناً منها أنني في طريقي إلى الموت حسب الروايات, وكنا نعلم في وسائل الإعلام أن الجنوبيين لن يستفيدوا شيئاً من إثارة البلبلة والقلاقل في الشمال طالما أنهم اختاروا الانفصال بمحض إرادتهم وقرروا العودة لديارهم وتأسيس دولة منفصلة. ولكن أحيانا ما يسيطر الخوف علينا من أشياء غير مبررة وتظل تؤرقنا دون أسباب, ولكن ما يهمني في هذا الموضوع على وجه التحديد أن قلق الشماليين كان من الجنوبيين باعتبار أن بإمكانهم أن يفعلوا أي شيء في إشارة إلى أنه ما زالت تسيطر عليهم عقلية الغابة وقبل ذلك كله الإحساس بالدونية من إنسان الشمال وربما ظهرت تلك الأشياء بصورة محسوسة في تصرفاتهم في فترة وجودهم بالشمال وهي كلها تفاصيل قد تبدو غريبة لإنسان الشمال الذي هو أقرب للسلمية والتعامل بهدوء أكثر. أما على مستوى قادتهم السياسيين فالتصرفات الغريبة التي كانت تصدر منهم كلها تصب في ذات الإطار الذي تحدثت عنه ويشير بصورة كافية إلى استحالة التعايش بل ولا نتمنى حتى أن تستمر العلاقات معهم بصورة جيدة لكي لا نسعى لتقديم تنازلات أخرى لهم لأن التجربة تقول إنهم من طينة أخرى يصعب التعامل معها على الإطلاق والأيام ستثبت حديثي. وحتى شهر العسل الذي تحدث عنه الرئيس البشير وسلفاكير في احتفالات جوبا لن يتجاوز الشهور القادمة وسنرى خطوات لم تكن في الحسبان من أهل الجنوب ودون مبررات تذكر بل هي تركيبة وتكوين إنساني يخصهم وسندخل من جديد في ذات الدوامة, بل سنرى دولاً أخرى مساندة لهم مقدمة جل خدماتها لتحقيق أمانيهم بكسر أنف الشماليين، كما قالت لي إحدى الجنوبيات ذات يوم بأنكم ستعملون معنا وسنمنحكم «الفول البايت» في يوم من الأيام. لذا لا بد من اليقظة والحذر وتوقع أي شيء ممكن حتى نستطيع أن نحافظ على دولتنا من أي شرذمة أو مجموعة تريد أن تسيطر علينا أو تنتهك كرامتنا لتحقيق أغراض ذاتية. بكت صديقتي العزيزه أناهيد كمال وهي ترى علم السودان يتم إنزاله من الجنوب ظنا منها أن ذاك يعني تقطيع دولة كانت تتمنى أن تكون واحدة قوية بأهلها, وتحافظ على ثرواتها ومواردها من التفاف الغرب حولها ومحاولاته المتكررة للسيطرة عليها, ولكنها بذات القلب الطيب الذي تمتلكه لا تعلم أن هؤلاء الجنوبيين لن يجدوا مساحة في قلوبنا مهما طال الزمن، والتجارب تؤكد ما قلته، لذا الانفصال منهم هو الحل. ولا أخفي سراً أنني كنت أكثر الناس سعادة عندما أعلنت نتيجة الاستفتاء بالانفصال وكدت أذبح الذبائح، كما فعل الطيب مصطفى، أطال الله في عمره، عندما احتفل منبره بيوم التاسع من يوليو باعتباره عهداً جديداً للسودان. لن يفيدنا أصدقاء أمريكا وإسرائيل بشيء ولن يفيدوا أصحاب الأغراض والمصالح الذين يتمنون الانتقام من الشمال والسيطرة على السودان كله, لذا كل ما نقول اذهبوا فأنتم الطلقاء ولن نذرف أي دمعة عليكم وإن وجدت فهي بالتأكيد دموع فرح بالجلاء الجنوبي من الشمال.