{ كتمت ضحكة كادت تفلت مني وأنا أستمع إلى صديقتي وهي تتحدث بانفعال وحسرة عن حال ولدها الوحيد! خشيت أن تعتقد أنني أسخر منها أو أستخف بمعاناتها هي التي أتتني تشكو حيرتها معه وجهلها بكيفية التعامل بينهما وماهية السلوك السليم الذي يجب أن تتبعه معه وتعلمه إياه في هذه السن الحرجة!! { تؤكد صديقتي أنها جرّبت كل السبل مع ابنها الصغير في سبيل تقويمه وتربيته كما يجب وتعليمه قواعد الأدب والتهذيب ولكن هيهات! لقد حاولت معه بالنصح تارة وبالضرب أخرى وبالحزم أيضاً دون جدوى، فهو يعتدل لعدة أيام، ثم يعود كما كان، وصديقتي تسأل في حيرة: هل سلوك طفلي المتذبذب ونشاطه الزائد يعتبران حالة مرضية؟! تلقي علينا هذا السؤال وهي مفزوعة وقد بدأت فعلياً التفكير في البحث عن طبيب معالج. { وللتوضيح فإن لصديقتي هذه ثلاث بنات شابات لحق بهن هذا الصبي الوحيد بعد مدة طويلة، فأصبح الوحيد بينهن وأخذ في تقليدهن في العديد من التفاصيل بالإضافة لدلاله الزائد الذي يدفعه للإيتان بتصرفات غير لائقة مصحوبة بالبكاء والصراخ والتهديد! حتى بات مصدر إزعاج لإخواته البنات اللائي ينتهك خصوصيتهن ويتطاول على ممتلكاتهن ولا يحترم فارق العمر بينه وبينهن. إلى جانب أنه أصبح يميل لألعاب البنات وأزيائهن ويفضل الألوان التي يفضلنها، وقد حاولت والدته كثيراً أن تنأى به بعيداً عن ذلك وتدمجه في مجتمع الأولاد الذكور، إلا أنه ظل يفضل دائماً اللعب مع البنات. ومما زاد الأمر سوءاً سلبية والده وغيابه الدائم عن المنزل وتركه له دون حسيب على اعتبار أنه (ولد) والوحيد أيضاً. { لهذا لم يجد المسكين أمامه نموذجاً يحتذى به أو يتعلق به سوى أمه، التي أصبحت تخشى عليه من أن يستمر في هذه الحال من الدللا والاعوجاج والتشبه بالبنات حتى يكبر، فتصبح حياته غير طبيعية ويبدأ في المعاناة من المجتمع ويدخل في صراع نفسي رهيب قد يسبب له عقداً مزمنة أو ينسف مستقبله. { ورغم تقديري لقلق صديقتي فإنني أشعر أنها تعطي الأمر أكبر من حجمه الحقيقي، وردود أفعاله الفزعة هذه قد تزيد الأمر تعقيداً، فالواضح أن ابنها في سن لا تؤهله بعد لمعرفة الفروقات الجنسية بين الصبيان والبنات، فهو حتى الآن لا يدرك ماهية الرجولة، ولا يرى أنه ينتمي لفئة أخرى غير فئة إخواته البنات، كل ما يعرفه أنهن أقرب الناس إليه، يعشن معه تحت سقف واحد، وهن أكبر منه بالقدر الذي يجعله، في عقله الباطن، مبهوراً بهن، لهذا نجده يمعن في تقليدهن دون تفكير، فلماذا تصر صديقتي على تجريمه. { إنني بالمقابل أعرف فتاة نشأت بين إخوتها الصبيان وكانت تلبس مثلهم وتلعب معهم الكرة وتقص شعرها كشعورهم ولكنها الآن أنثى مكتملة الأنوثة تضحك على طفولتها وذكرياتها الصبيانية. كل هذا ببساطة لأنها لم تجد حولها من يؤنبها باستمرار على رفقتها لإخوتها ويولد بداخلها التساؤلات والعناد مثلما تفعل أم (الوحيد)، فيوماً سيدرك وحده الفروقات بينه وبين إخوته البنات وسيتغير كلياً كحال جميع الصغار، فقط عليك أن تتحلي بالصبر والحكمة، ويمكنك أن تبدأي في رسم شخصيته الذكورية بهدوء دون ضرب أو قلق أو لفت نظره دائماً لما يجب وما لا يجب، فالمؤكد أنه لا يتعمد أن يحتذي بأخواته البنات أو يثير عواصف الشغب بالمنزل، ولكنه لا يزال طفلاً، وواحدة من إشكالاتنا الكبرى أننا نعمد لاغتيال طفولة أبنائنا ودفعهم للتصرف ككبار والتفكير ككبار مع أن الكبار ليسوا دائماً على صواب. { تلويح: ويبقى (أخو البنات) نموذجاً إنسانياً عانى كثيراً في سبيل إنجاح هذه الأخوة.