بغض النظر عن الشعور بالشفقة الذي يصاحبنا كلما تمعنا برؤية صاحب إعاقة، فإن الأشياء العملية الأخرى مجرد نظريات. منذ عدم التأفف طوال المدة التي ينزل فيها من المواصلات العامة، وحتى استخدام المواتر المصممة وموزّعة خصيصاً لهم باحتيالٍ عالٍ! وعلى ناصية حديث الوزير برئاسة ولاية الخرطوم الباشمهندس (السعيد عثمان محجوب)، رئيس المجلس الأعلى للتخطيط الإستراتيجي، بالدعوة إلى إشراك فئة ذوي الإعاقة في الأنشطة الرسمية، أقف الآن (وأتفرج يا سلام)، فالحديث ذو شجون وموقف نبيل، لكنه مجرد نظرية لا تثبتها عمليات الحساب الواقعية! فالمخطط الهيكلي والتنظيمي والإستراتيجي الهندسي لولاية الخرطوم ذات نفسها، لم يعدل إطلاقاً في العقلية المتنفذة لشؤون المعمار السوداني، ولم يتنازل بإدراج ممرات وإشارات مرورية ناطقة للمعاقين في كافة المرافق المنشأة حديثاً ولا في الوزارات ولا الهيئات القديمة التي يتم تجديدها حديثاً جداً. والجديد في الحديث أن المجلس أجرى اتصالات مكثفة مع المسؤولين لمناقشة قضايا ذوي الإعاقة ولمتابعة الخطط الموضوعة! وقديماً حينما تأسست (قاعة الصداقة) بتعاون مشترك بين الصين والسودان - الذي يعود الآن - تمّ تصميم ممرات للكراسي المتحركة موجودة حتى الآن وشغالة! ليس لأن الحكومة وقتها كانت تولي اهتماماً زائداً لذوي الإعاقة الحركية، لكن لأن العقلية الهندسية التي صممت ونفذت القاعة تربت على أن المعاق هو فرد عادي في المجتمع لا يجب تمييزه سلبياً ولا إيجابياً حتى. وهذا ما لن نصل إليه أبداً. ولنبدأ من فصول التعليم وفصل الطفل المعاق من المعلم وحتى التلاميذ الذين يسقط عليهم الفعل من أعلى إلى أسفل عقلهم فيتكون لديهم شعور في اللا وعي أنه شخص معيق.! ولننتهي بالفصول البايخة للإدارات الحكومية التي ترفض عملياً ونظرياً توظيف المعاقين إلا ضمن إطار إداراتهم ومنافذ تعاملاتهم - الاتحاد أو الهيئة إلخ.. - وعلى مستوى المجتمع تجد بعض تلك النماذج التي تتعامل مع المعاق إما شفقة عليه أو سخطاً عليه. وفي الحالتين لا يتم التعامل معه على أنه شخص عادي. في حين أن معظم دول العالم العربي - دعك من الأوربي المتقدم علينا حتى في فروض تعاملنا الإسلامي - تمّ رفض أسلوب التمييز للمعاق باعتبار أن إعاقته لا تحدد كيفية التعامل معه إنما طريقته وعلمه وإلخ... وشاهدنا عبر الشاشات محامين ونشطاء ومعلمين وأطباء إلخ.. يمشون بكرسي متحرك، ولا يعرفون به! إن تعريف الإعاقة ليست هي الإعاقة الحركية أو في الحواس إنما هي الإعاقة العقلية - وهذا اقتباس من كتاب المرحوم حسن عثمان (تجربتي والإعاقة ) - وهذا ما يعاني منه مجتمعنا المتحضر الذي يقود سائقوه بآخر نفس ولا يفقهون شيئاً عن العصا البيضاء، لأن أصحاب الأمر يجهلون كيفية التوعية أو ماهيتها أصلاً! ويرغمون المعاق قبل ركوبه على أن يصرح بمحطته قبل محطتين للتمكن من إنزاله والعجلة، بلا عطلة! وهي الإعاقة التي يعاني منها أولياء الأمر الذين في أيديهم القلم ليبدأوا سطراً جديداً في السلوك المجتمعي الراقي الذي لا فرق فيه بين مقعد ومتحرك إلا بالشهادات والأخلاق. ولا يكتبون إلا التصريحات! بصراحة، إن خلق الفرص وتنفيذ الخطط و..إلخ، عبارات فضفاضة ساقت المعاقين ذات نهار إلى الخروج في تظاهرة؛ وهي التي يجب التعامل معها بسخط لأنها مجرد أحاديث للاستهلاك الصحفي والسياسي تنثر الشفقة عليها كي لا يبين طعم المحروق من صنعتها. وهي التي تجوز عليها الشفقة من كثرة ما تشحذ الرضا والقبول من الناس أجمعين وليس الفئة المتعلمة والمثقفة والفاعلة والمرحة والمتعاونة والمهدرة كل طاقاتها في حلم النزول (المحطة الجاية) التي لا تأتي أبداً!