{ حدث ما كنا نتوقعه ولحق عقار بالحلو ونفذا سيناريو تقسيم السودان وصناعة جنوب جديد يستقطب أطرافاً أخرى ويحشد قوى سياسية معارضة لا تحسن الفعل السياسي ولا تتحصن بذرة من الوعي الوطني الذي يجمع كافة أهل السودان على صعيد واحد، إلا هذه القيادات اللاهثة والمتعجلة للسلطة بأي وسيلة كانت حتى لو كان ذلك على حساب الوطن ووحدته وسلامة أراضيه، ولو أنهم أحسنوا معارضتهم للنظام لكسبوا ثقة الشعب ولفوتوا تلك الفرص التي مكنت الحركة الشعبية وأضعفت المؤتمر الوطني حتى نجح مخطط فصل جنوب السودان، وقد كانت تلك الفرص الذهبية مهداة من القوى المعارضة التي ابتدرت التوقيع على حق تقرير المصير في العام 1995م بأسمرا، وهي التي حاربت تحت إمرة الحركة الشعبية دون أن يكون لها هدف من هذه الحروب التي خاضتها، وعندما عاد الجميع إلى الداخل ظلت الحركة الشعبية للأسف تستخدم القوي المعارضة لصالح أجندتها، وبالرغم من ذلك يخرج علينا أحد أبرز قادة المعارضة السيد الصادق المهدي بعد زيارة غامضة الي جوبا ليحمل الحكومة مسؤولية فصل جنوب السودان.. ألم يكن من الأوفق لهذا الرجل أن يحمل الحركة الشعبية المسؤوليّة وأن يكون شجاعاً ويحمل حزبه جزءاً من هذه المسؤولية وقد كان هو شخصياً جزءاً من تيار عريض يقوده العقيد جون قرنق وجيشه (جيش الفتح) يحارب تحت قيادة جون قرنق، ومن جانبي -وأنا أشهد فترة حكم السيد الصادق - أستطيع أن أجزم أن هذا الرجل كان سيضيّع السودان بكامله ناهيك عن فصل جنوب السودان الذي يتحدث عنه إن لم يتقدم ضباط الجيش لإستلام مقاليد السلطة في البلاد في يونيو 1989م، وقد قالها قرنق إنه سيشرب القهوة في المتمة ولهذا الحديث دلالته الكبرى ومقاصده البعيدة. { ما يزعجني حقاً تلك المواقف غير الرشيدة التي تمضي فيها بعض القوى المعارضة، وهي مواقف وتصريحات تضر بالوطن أكثر من أن تضر بالنظام القائم، وللأسف تجد حتى جامعة بالخرطوم تهرول وتستجدي عقار، وحزب السيد محمد عثمان الميرغني هو الآخر يقود مبادرة يطرحها علي السيد عقار، وهناك قوى سياسية تباشر إتصالاتها به، وكأن الرجل أسطورة جديدة وبين يديه مفاتيح السلطة ومستقبل البلاد، وهو في الحقيقة أقل قامة من كل تلك القيادات التي تهرول له حتى اعتقد أنه قرنق جديد، وأنه الأوفر حظاً لقيادة التغيير، وبدأ يحدث نفسه بحكم السودان عبر تحالف واسع يقف قطاع الشمال على قيادته وهو رئيس القطاع، وبالتالي هو رئيس البلاد القادم، لا سيما وأنه يقود جيشاً هو الوحيد الذي يمكن أن ينازل الجيش السوداني، والرجل يركن الي هذا الحلم ما دامت إسرائيل والولايات المتحدةالأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي تدعم هذا المخطط وتباركه وتسعد به وهي تطلع على مخطط الاستيلاء على كادقلي وهو الجزء الأول من الخطة وقبل الزحف على الخرطوم. { القوى السياسية المعارضة ومنظمات المجتمع المدني في بلادنا يجب أن تعي ما يعيه الشعب السوداني ويجمع عليه، وقد لمست ذلك منذ فترة طويلة وخلال عطلة العيد وفي مواقع ومناطق عدة، وهو يدرك حجم المؤامرة ويتابع التطورات في جنوب كردفان والنيل الأزرق بحذر وترقب، وبل يطالب الحكومة بحسم هذه المهازل قبل أن تستفحل وتعود بالبلاد إلى المربع الأول، وبل يمضي الشعب أكثر من ذلك ويطالب بتجييشه ومشاركته في حملة القضاء على هذه الفتن والمؤامرات، والآن أكاد أجزم تماماً بأن الشعب بكامله يلتف حول الجيش ويسانده ويسعد بانتصاراته ويهلل ويكبر. { إن كانت القوى المعارضة تجد في وقفتها مع الجيش في معاركه المقدسة التي يخوضها في جنوب كردفان والنيل الأزرق دعماً للحكومة، فهذه حسابات ينقصها الوعي والمصلحة الوطنية العليا، وهي لن تفيد القوى المعارضة بل ستحرجها مع شعبها وستفقده ثقته فيها وستطيل عمر النظام وستقويه وستمنحه المزيد من الثقة والتأييد، وهذا هو الدرس الذي ظلت القوى المعارضة تفشل فيه مرة بعد أخرى، وها هم الآن ينتقلون من قيادة باقان الى قيادة عقار والحلو وعرمان، وما أخشاه دخول المال ليحرم قياداتنا المعارضة من تسجيل مواقف يحفظها لهم التاريخ مثلما حدث في سنوات الاتفاقية، وقد قال باقان إن دعمهم للقوى السياسية الشمالية المعارضة تجاوز المليار دولار. { هذه حرب فاصلة يجب أن تجد الدعم والمؤازرة من كافة القوى السياسية ومن منظمات المجتمع المدني حتى يركن هؤلاء إلى السلم وصوت العقل وإلى الممارسة السياسية النظيفة وإلى الديمقراطية والنأي عن خدمة أجندة دولة الجنوب، ويجب أن تعمل الدولة من أجل وطن واحد وموحد الفرصة فيه متاحة لكافة أبنائه دون تمييز.