مثلما أنك لا تختار والديك وأشقاءك وشقيقاتك وبقية أفراد العائلة من أعمام وأخوال وعمات وخالات وأولادهم وبناتهم، فإنك أيضاً لا تختار أصدقاء الطفولة والصبا فهم قدرك وحظك وبختك، وأحياناً يكون حظك جميلاً وأحياناً يكون سيئاً، بل في غاية السوء، ومن الحظ الجميل فعلاً أنه كان من أصدقاء الطفولة والصبا يعقوب عبد الرحيم يعقوب ولقبه الشايب؛ واستمرت الصداقة خلال مرحلة الشباب وحتى الآن. ومن الغريب أنني رغم الفترة الطويلة التي عاشتها الصداقة بيننا لا أعرف سبب تسميته بالشايب ولم أسأله. لقد بدأنا نعي الدنيا والناس من حولنا معاً في النصف الأول من خمسينيات القرن الماضي، فالبيت مجاور البيت والدكان مجاور الدكان، فقد كنا نقيم في حي واحد بمدينة كوستي وقبل دخول المدرسة وفي الإجازات بعد دخولها كنا نمضي النهارات في السوق هو في دكان والده عبد الرحيم يعقوب وكان مع أشقائه ووالدهم يعقوب سلمان من الآباء المؤسسين لمدينة كوستي، وكان يتردد كثيراً على دكان خاله عبد الرحيم عثمان طه حيث ابنه محمد الحسن الباسم وكنت أنا أوزع نهاراتي قبل الالتحاق بالمدرسة ثم في الإجازات بعد دخول المدرسة بين زريبة العيش حيث ضلالة عم نصر وبين دكاكين الأخوال الخير ومبارك وإبراهيم ومحمد حسن النور. لقد كنا الشايب والباسم وأنا في تلك الفترة من الخمسينيات معاً طوال الوقت ولأن الكلام عن الشايب فإنني أتوقف معه وعنده خاصة وأنه الآن بالقاهرة يعيش تجربته الصعبة مع المرض ويعيشها بكل الإيمان والشجاعة والرجولة والتفاؤل، ومن الملاحظات أن لكل منا تجربته الصعبة مع المرض وإن لم يعشها فإنه حتماً سوف يعيشها. وكان الشايب ولا يزال إنساناً فناناً راقياً كريماً مضيافاً محترماً محباً للحباة وللناس ولمدينته المفضلة وللغناء الجميل؛ وكان متفوقاً في كرة القدم من أيام الدافوري وكانت له صولات وجولات مهاجماً متمكناً مسرفاً في الحرفنة في هلال كوستي في السبعينيات مع زميليه اللاعبين الممتازين أبعكاز وود السكة، وسفر الشايب إلى القاهرة للعلاج مناسبة يجب أن يتبناها نادي الهلال والرياضيون على اختلاف انتماءاتهم الكروية بكوستي لتكريم لاعب متميز جداً أسعد وأمتع الجماهير بفنه الكروي الرفيع. ولا نعني بالتكريم جوانبه المالية فالشايب مستغن بإبائه وعزة نفسه وبعائلته التي يمارس أفرادها بقيادة عميدهم صالح عبد الرحمن يعقوب ترابطاً عز نظيره لكننا نستهدف من التكريم الجانب المعنوي. لقد كان في حياتنا عقوداً وعقوداً ولا يزال ويبقى بمشيئة الله صديق كبير لا يعوض أبداً اسمه يعقوب عبد الرحيم يعقوب أو الشايب رغم أن روحه لم تشب قط وقريباً تأتلق كوستي بعودته سالماً طيباً قوياً وتشرق المدينة من أقصاها إلى أقصاها بحضوره الجميل الراقي.