ثمّة من ستذكره هذه الأغنية أو القصيدة، جيِّدة العاطفة، والمخرجة ذات مساء ثوري، بصباح ونهار كل ثورة عربية حديثة، خاصة وأنها مسموعة من الفنان (محمد منير) أكثر من الفنان السوداني وردي الصغير، أو من شاعرها الكبير محجوب شريف - وهي قضية ملكية فكرية وثمّة من يراها بشكل مختلف أكثر نعومة، خاصة للشباب العاطلين والجالسين على نواصي الشوارع بلا (شغلة)! بالتعامل معها على أنها مشاغلة جيدة للبنات أو رؤية مسبقة كانت لحالهم اليوم..! وتومئ الأفكار موافقة على أن الشارع فاتح على كافة الاحتمالات السيئة والجيدة، كقيمة عامة أو من ناحية أنه طريق، وفي هذا حدث ولا حرج! فضيق الطريق الذي يضم على جنبيه سيارات أو بالأصح مركبات، تفوق سعته المقترحة والحقيقية، ويضم على رصيفه بائعين وشحاذين عددا، وهو في أصل تصميمه الهندسي كرصيف معد فقط للماشة. وتمشي الأيام ونرى كمية الأموال التي تأخذها إدارة المرور من الإيصالات وتصرفها على اللافتات والإعلانات - ولها إدارة إعلام ناشطة - والأسابيع دون الجلوس مع الشركاء في ذاك الطريق معهم الشؤون الهندسية، الطرق والكباري، المقالون، المحليات.. الخ، للوصول إلى تصميم مقنع وحضاري يحترم حقوق المشاة والباعة وقائدي المركبات العامة والخاصة. والمحصلة النهائية على أرض الواقع أن طرقنا كلها بدون فرز تعاني مشاكل غير مختصرة على (الدقداق)، إنما تتعداه إلى السلامة في الأرواح والممتلكات. امتلاك ذهنية متحجرة في القيادة أمر غير جديد داخل المكاتب المسؤولة في البلد وفي كافة المجالات، لكن أن تصل إلى حد أن تشاهد رجل مرور يلاحق صاحب ركشة عبر الشارع كأنه رجل مخدرات لعقابه بإيصال! أو الدوريات المتوقفة داخل الطريق توقف المخالفين بشكل فيه كثير من القوة السالبة وتعطيل حركة المرور ذات نفسها، وأن تسمع سعادة اللواء (عابدين الطاهر) متحدثاً عن الثورة التكنولوجية القادمة في السيطرة على المخالفات المرورية عبر كاميرات المراقبة.. الخ، فتقارنها بأحد أهم الطرق في الخرطوم من وإلى الموقف الكبير الجديد، سترى كيف أن العقول متحجرة وثابتة في فكرة قديمة للشارع الفاتح في المواطن مباشرة! باحتمال مليون في المئة الصحيحة أن تدهسه سيارة إن كان راجلاً أو تطيح ببضاعته إن كان بائعاً. وبيع الوهم من المحليات للباعة هؤلاء عبر تصاديق مؤقتة بالقرب من مواقف المواصلات المربحة - فالقريب من العين قريب من الجيب! - هو واحدة من استثمارات الطريق في الخرطوم كعاصمة في مدنها الثلاث الرئيسة، وهو وهم لذيذ ومربح فعلاً مقارنة مع رأس مال تلك الفئة التي تتراوح بضاعتها بين الأكل واللبس والكلام! لكن مسألة السلامة على الطريق أمر لا يعني مسؤولاً ولا مواطناً على السواء! إنما نسترزقها جميعنا يوماً بيوم، في الخطط والبرامج والهيكلة والطرق والمواصلات. أما في ما يخص القوانين والمخالفات فهي كذلك أيضاً واسألوا أهل (الهايسات) إن كنتم تظنون! ظني أن التجارة على الطريق العام هي واحدة من مظاهر التخلف الرجعي جداً التي لا تتوافق مع السلوك الحضري للمواطن قبل الحكومة، فمن ناحية السلامة هو المتضرر الأول جسدياً واقتصادياً، وفتحها هكذا على مصراعيها كدليل على تحضر المحليات بعدم القيام بكشات مهينة كما كان زمان، حوّل المدن إلى مساكن شعبية، والشوارع إلى مشرحة بشهية مفتوحة على مقبلات رجل المرور المطاردات البوليسية! وحوّل قلوبنا إلى أيدينا وأرجلنا لنحسن بها العبور، وحوّل الثورات إلى الموقف القديم!