كشفت النتائج المترتبة عن حملة مقاطعة اللحوم الحمراء التي استمرت لمدة ثلاثة أيام بولاية الخرطوم في الفترة من 18 - 20 سبتمبر 2011م، كشفت عن عدم جدوى المقاطعة في تخفيض أسعار اللحوم الحمراء، فيما شهدت الأيام الثلاثة نفسها ارتفاعاً ملحوظاً في أسعار اللحوم البيضاء: (الفراخ والأسماك)، وكانت المحصلة النهائية للأسف عدم المحافظة على أسعار اللحوم الحمراء التي انخفضت في فترة الحملة - وهي ثلاثة أيام فقط - وحدوث ارتفاع جديد في أسعار الفراخ والأسماك واللحوم الحمراء معاً و(كأنك يا زيد ما غزيت)!! إن أوضاع الأسواق في السودان ليست كالسعودية ودول الخليج، حيث مستويات الدخل المرتفعة هناك للغالبية العظمى من المواطنين، ولذلك فإن سياسة السوق الحر لا تحرق بنارها إلا شريحة محدودة، بينما سياسة السوق الحر وترك المستهلك تحت رحمة التجار والباعة في بلادنا أمر شديد الوطأة على الغالبية العظمى من المواطنين الذين تتراوح مستوياتهم بين شريحة الدخل المحدود إلى الدخل المنعدم أساساً، مما فاقم من أوضاعهم المعيشية فزادت نسبة المواطنين الذين يعيشون تحت خط الفقر رغم مظاهر الوفرة في الأسواق التي لا يقابلها توافر المقدرة الشرائية لدى غالبية المواطنين، وفي كثير من الأحيان - ومن جهة النظر الاقتصادية البحتة - فإن كثرة عرض السلع الموحي بالوفرة لا يشي في الحقيقة بأن الوضع الاقتصادي إيجابي، خاصة حينما يكون العرض الوفير ناجماً عن عدم قدرة المستهلكين علي الشراء، فهنالك عرض كثير وقلة في الطلب، ولذلك تتكدس السلع وتوحي للناظر بأن الخير باسط والكل يسبح في نعيم الوفرة!! إحدى النساء قالت ذات مرة لصاحب عربة بوكس يبيع الفواكه: (إننا سنأكل هذه الفواكه في الجنة فقط إذا شاء الله تعالى أن ندخلها)!! هذه العبارة توجز في بلاغة حال الكثيرين الذين لا يستطيعون أن يقتربوا مجرد الاقتراب من العديد من السلع المعروضة في أسواقنا بسبب الأسعار المرتفعة والغلاء الفاحش غير المبرر، خاصة في السلع والمواد الغذائية المنتجة محلياً! أمام هذه الحقائق المرة لأحوال الغالبية العظمى من المواطنين فإن سياسة السوق الحر - التي فهمها التجار والباعة بطريقة مغلوطة - لا تجدي في بلادنا، إذ لا بد من تسعير السلع كافة، وفي الوقت نفسه لا بد من مراقبة الأسواق بلوائح وقوانين صارمة، ومحاربة احتكار السلع وتخزينها وإخفائها أو تهريبها إلى خارج البلاد. لا شك أن هناك جهات رسمية عديدة تمر خلالها السلع المستوردة، ولذلك فهي على دراية بالتسعيرة المناسبة لها، فتلزم التجار بوضعها على السلع، كما أن هناك جهات رسمية عديدة على دراية بتكلفة إنتاج محاصيلنا الزراعية ولحومنا وخضرواتنا وإنتاج مصانعنا من مختلف السلع الغذائية والزراعية والحيوانية والتحويلية وغيرها، ولذلك فهي على دراية بالتسعيرة المناسبة لها، فلتزم التجار والباعة بوضعها على السلع المعروضة للبيع. إن مراقبة الأسواق بضباط ومفتشي الأسعار أمر لا بد منه، لأن الحادث الآن في الأسواق خرج تماماً من طور السيطرة، حيث أصبح كل تاجر وبائع يبيع على حسب مزاجه بدون رقيب ولا حسيب، فيتفاجأ المواطنون كل صباح بإضافات متتالية في أسعار السلع لا يملكون معها إلا أحد أمرين: إما الشراء مكتوين بنيران الأسعار المتصاعدة باستمرار، أو الامتناع والمقاطعة والتضور جوعاً، وشد البطون بالأحزمة أكثر مما هي مشدودة عليه الآن!!