قلنا ولازلنا نقول، «وذكِّر فإن الذكرى تنفع المؤمنين» إننا إذا أردنا حكماً اتحادياً ناجحاً، فلا بد من أن يرتكز ذلك على حكم محلي قوي وفاعل وممارسة شفّافة لمؤسساته، لا سيما وبعد ذهاب الجنوب والذي كانت التجربة فيه محسوبة على الشمال باعتبار أنه المعني بتقديم الأنموذج والإطار للقوانين والتشريعات المنظمة والهادية لعمل مؤسسات الحكم المحلي. فالناظر لتجربة الحكم المحلي على مختلف مستوياتها لا يرى الكثير من الإشراقات والازدهار في مجمل حصاد محصول التجربة والتي ظللنا على الدوام نعقد لها المؤتمرات والورش المختلفة بفرض إجراء عمليات الجرح والتعديل، وكنا نقول حتى وقت قريب أي في ظل السودان الموحَّد إنه ما لم تحدث العمليات الاسعافية هنا وهي التقويم والتقييم فستُهزم تجربة الحكم المحلي، فقضية الفيدرالية بكاملها. وحسناً أن تهيأت دولة الشمال لاستقبال أعمال هيكلة الحكم وهيكلته هنا أول ما تعنيه هو هذا المستوى المهم الحيوي من مستويات الحكم والذي يجب أن نضخ فيه الجديد كل يوم نظرية وتطبيق وتشريعات وموارد بشرية ولتكن المواد المالية هي في مؤخرة الحصاد. فالحكم المحلي كمستوى من مستويات الحكم يحتاج إلى تعزيز وتطوير، ولا نستثني في ذلك أية تجربة لأية ولاية من ولايات السودان، بل حتى ولاية الخرطوم التي كانت الأنموذج في التطبيق والممارسة والإطار في تقديم الأفكار والتشريعات والمذكرات الخاصة بأدبيات الحكم المحلي صارت كبقية الولايات منذ فترة. و(مازاد الطين بلة) كما يقولون هي تلك الفترة التي شهدت فيها المزيد من التقسيم للمحليات بغرض تطبيق وتحقيق الفلسفة التي تقول لا بد من تقصير الظل الإداري. وقد يقول قائل إن أزمة الحكم المحلي هي أزمة موارد مالية، ولكننا نضيف إليها أن الأزمة هي أزمة موارد بشرية، غير أنه وبالنظر من عدة زوايا للتجربة نرى أنه برزت تساؤلات منها هل المشكلة هي تتعلق بالتشريعات؟ وكيف يمكن تدريب التشريعيين الذين هم أعضاء المجالس وما مدى إمكانية تدريب التشريعيين في هذه الأجهزة من مستويات الحكم، وما بين الإدارة التشريعية وإدارة المجلس المحلي كيف تكون الصلة، كذلك بينهم وبين الإدارات التابعة أيضاً كيف يكون الحال وما هو دور الكوادر المساعدة للحكم المحلي باعتبار أنهم طرف أصيل في عملية الحكم المحلي، وهل عجز الموارد حقيقة هو الذي جعل المحليات تصبح بلا روح؟. من كل ما تقدم يظل العامل البشري هو المهم، وفوق ذلك لا بد من أن نضع نصب أعيننا ونحن مقْدمون على هيكلة جديدة للحكم من أن نؤمن على ضرورة وجود الكفاءات وأصحاب المقدرات من أجل استيعاب الواقع الجديد بدراية وعلمية وبصيرة نافذة، حتى يُسهم هؤلاء بضراوة في تطوير وترشيد مسيرة الحكم المحلي. فانتهى زمن المعالجات النظرية هنا وباتت الدعوة مطلوبة للجراحات العملية خاصة وأن عملية تقصير الظل الإداري ما عادت عملية مقنعة ومغرية تجعلنا نقبل بتجربة الحكم المحلي على علاتها، فطالما صار السودان دولة صغيرة جغرافياً لا بد من أن نُعيد النظر في المحليات في كل ولاية وذلك بغرض إحداث عملية دمج كبيرة. ولعله في أي ولاية لا نحتاج لعدد أكثر من ست محليات، كما أنه لا بد من النظرة الموضوعية لمنصب المعتمد بهدف استعاضته بلفظ مدير تنفيذي أو أي اسم آخر في محاصرة هنا للوظائف الدستورية. ولنا عودة..