مازال القسم الاقتصادي يستقبل استنكارات المواطنين الذين تقدموا بهدف الحصول على التمويل الأصغر ولكنهم لم يتحصلوا على المبالغ رغم المعاناة الكبيرة التي تحملوها جراء البحث و(الجري) وراء مشاريع كانت ستُحقق لهم بعضاً من الأحلام، وتوفر لهم ليس العيش الرغد، ولكن عيشاً ليس عيشاً ليس ضنكاً. ولكن هيهات بعد أن «حفت» أقدامهم وبليت أحذيتهم وتآكلت أوراقهم ودراسات جدواهم وهم يحملونها يومياً ذهاباً وإياياً، إلا أن عشمهم لم ينقطع طالما أن هنالك أمل ظل يطلقه القائمون على أمر التمويل الأصغر وكذلك رئاسة الجمهورية ووزارة المالية وبنك السودان، كما أن الموازنة الجديدة للعام 2010 أفردت نسبة مقدرة لصالح التمويل الأصغر ومشاريع الخريجين. أقول هذا وفي الخاطر الرسالة التي كانت قد وصلتنا من مواطن وهو في مرحلة «المعاش» والذي أكد حاجته الماسة لثلاثين ألفاً من الجنيهات، عبارة عن تكلفة لمعرض صغير، إلا أنه وكما أشرنا قد تفاجأ بخصم عمولة أكثر من «27%» وقسط شهري أكثر من 1500. هذا المواطن يقول إنه ليس في استطاعته دفع المبلغ الشهري ويطالب البنك المعني بضرورة تخفيض هذا الرقم حتى يتسنى له المُضي قُدُماً في نجاح مشروعه الذي من أجله صرف كل ما يملك وما يدخر، «والله لا يضيع أجر من أحسن عملاً».. ونحن بدورنا نناشد الجمعيات المسؤولة والأستاذة هبة محمود صادق فريد مدير وحدة التمويل الأصغر ببنك السودان المركزي بدراسة حالة هذا «المواطن المعاشي» وخفض نسبة الأقساط حتى يستطيع الولوج إلى عالم الإنتاج. لأن المبلغ المخصص للقسط والبالغ 1500 لا يستطيع دفعه ونتمنى أن نجد الإجابة الشافية السريعة والمفيدة من أهل التمويل الأصغر الذي هو في الأصل جاء لتخفيض حدة الفقر والوقوف مع ذوي الاحتياجات وليس الأغنياء. على العموم فكرة التمويل الأصغر جميلة جداً، ولكن هنالك بعض الإجراءات والتعقيدات تلازمها، وذلك بالرغم من الحديث الثر الذي أدلت به الأستاذة هبة في الحوار الذي أجرته معها مجلة «دليل السودان» حيث أكدت خلاله أن أركان التمويل الأصغر ثلاثة. هي السياسات والمؤسسية والمشروعات والعميل والعملاء.. ماذا يجب أن نعمل معهم؟ فالتمويل الأصغر -والحديث مازال لهبة- لا يمكن أن يحل مشكلة السودان ولا يكافح الفقر، وهو أحد آليات تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية. والنتائج لن تتحقق إذا لم يتم اختيار المنظومة الصحيحة، لذلك يجب أن تحدث عملية مراجعة للسياسات بذات الفهم ،أضف إلى ذلك فإن عميل التمويل الأصغر يحتاج لبرنامج تدريب وتأهيل متكامل والعمل على تغيير نمط تفكيره وذلك عبر العمل في مجال التعليم والتدريب، لذلك فإن عميل التمويل الأصغر يحتاج إلى تدريب مكثف ثم العمل على اختيار العميل المناسب للنشاط المناسب بواسطة المقابلة المباشرة لضابط الائتمان.. «انتهى». اذن.. لا أظن أن عميل التمويل الأصغر سيرفض المشاركة في عمليات التدريب والتأهيل، ومن ثم اختياره للنشاط المناسب إذ أنه في نهاية المطاف هو بحاجة إلى تمويل مشاريعه أو أنشطته التي ينوي إقامتها لتأتي إليه بعد ذلك بعائد لسد نفقات الأسرة سواء أكانت صغيرة أو كبيرة أو ممتدة. فإذا ما وجد التوجيه السليم من قبل الجهات المعنية بأمر التمويل، فإنه حتماً سيسير في الاتجاه الصحيح وسيكتب لمشروعه بإذن الله النجاح. ولكن أن يسير بين مفترق الطرق لاهثاً وراء الأصغر ولا يجده، فهذا الأمر سيولِّد الغبن في نفوس الكثيرين ويجعلهم ينتقدون السياسات الخاصة بالتمويل الأصغر حتى وأن كانت صائبة. نتمنى أن يسير في الاتجاه الذي من أجله أُعلن. نتمنى ذلك!!!