من المغالطات والمكابرات الشهيرة أن تاريخنا بدأ بالمهدية وليس ذلك صحيحا فقد كنا نحن الشعب ونحن الوطن موجودين قبل المهدي وقبل ثورته العظيمة وقبل دولته التي عجزت عن الاستمرار وأطيح بها بعد سنوات قليلة من وفاته. وكنا نحن الشعب ونحن الوطن موجودين قبل عمارة دنقس وعبدالله جماع اللذين تحالفا وأقاما السلطنة الزرقاء التي عاصمتها سنار في عام 1504م تلك السلطنة التي قضى عليها محمد علي باشا والي مصرعام 1821م. وكنا نحن الشعب ونحن الوطن موجودين قبل عبدالله بن أبي السرح لقد كنا موجودين شعبا ووطنا منذ الأزل أو منذ فجر التاريخ قبل الإسلام وقبل المسيحية وكانت لنا دولتنا وحضارتنا وإسهاماتنا المعترف بها في التاريخ وفي الحضارة. وانتهزت الحركة الشعبية هذا الإصرار الغريب العجيب على أن السودان ولد بعد دخول الإسلام لتدعي أنها الوريث الشرعي للسودان القديم الذي كانت تجسيداته هي كوش ونبتة ومروي وعلوة ثم بعد أن انكفأت الحركة الشعبية على الجنوب بالانفصال ولم يعد ثم معنى لمزاعمها بالانتماء إلى كوش ونبتة ومروي وعلوة كان المتوقع أن يفيق أولئك الذين كانوا يرون أن السودان ولد بعد ظهور الإسلام سواء أكان الإسلام الذي أدخله عبدالله بن أبي السرح أم إسلام عمارة وعبدالله جماع أم الإسلام الذي رفرفت أعلامه عام 1885م بعد أن دخل الأنصار بقيادة المهدي الخرطوم. وذلك كله يدخل كما قلنا في باب المغالطات والمكابرات والغالبية العظمى في السودان الآن تعتنق الإسلام ذلك صحيح لكن الصحيح أيضا هو أن السودان الرسمي والشعبي كان قبل الإسلام مسيحيا وكان بعضه وثنيا وكان ذلك السودان المسيحي بلدا معروفا وشعبه أيضا. ومن واجبنا أن نعتز بالشعب وبالوطن منذ أن ظهرا للوجود وألا نخجل من حقيقتنا قبل الإسلام ذلك أنه كان في ذلك السودان كثير من المشرقات والإيجابيات ولقد بنينا الأهرامات في تلك الفترة وفي رواية أن أهراماتنا هي الأصل وأن الأهرامات المصرية كانت تطويرا لأهراماتنا وكان ذلك من الأسباب القوية التي جعلت مؤسسي هذه الجريدة يطلقون عليها اسم (الأهرام اليوم) مع تسليمهم بسبق جريدة مصرية في حمل هذا الاسم وهي جريدة الأهرام التي أسسها آل تقلا عام 1875م . والإصرار على أن تاريخ السودان بدأ بالمهدية أو بعمارة وعبدالله جماع أو بعبد الله بن أبي السرح يذكر بمغالطة أخرى من مغالطات تاريخنا الحديث وهي أن انقلاب مايو 69 نفذه ودبره الشيوعيون ولم يكن ذلك صحيحا بالمرة ففي آخر اجتماع قبل الانقلاب فإن الضباط الشيوعيين في تنظيم الضباط الأحرار اعترضوا على تنفيذ الانقلاب والذين نفذوه وأهمهم العقيد نميري والرواد خالد حسن عباس وأبوالقاسم محمد إبراهيم وزين العابدين محمد أحمد عبدالقادر ومأمون عوض أبوزيد لم يكونوا شيوعيين ولذلك بعد سقوط النظام المايوي في 6 أبريل 1985م فإن الذين حوكموا بتدبير الانقلاب كانوا هم أولئك الرواد الأربعة ولم يحاكم نميري لأنه كان خارج السودان ولم يحاكم بتهمة تدبير الانقلاب شيوعي واحد مدنيا كان أم عسكريا . ورغم ذلك يقولون بإصرار غريب عجيب إن انقلاب مايو 69 دبره ونفذه الشيوعيون وإن تاريخ السودان يبدأ بالمهدية أو بدخول الإسلام؟