{ الكثير من الناس قد يتعاملون بصورة أو يعيشون بطريقة هم غير مقتنعين بها في قرارة أنفسهم، لكنهم (مجبورون) على التعايش مع الواقع المفروض عليهم، ويتحكم في ذلك العقل الظاهر أو الواعي، ولكن تبقى الدواحل مفعمة بالتمنيات والأماني والرغبات المكبوتة، ويتحكم في ذلك العقل المستتر أو الباطن.. وهمزة الوصل بين هذين العقلين تكون في شكل (زلة لسان) أو أحلام، أو الوقوع تحت تأثير المرض أو التخدير.. أو المواد المخدرة..! وقديما قال الشاعر (أبو نواس)، الذي اشتهر بالخمريات و(القعدات والطرب.. واحتمال كمان يكون بتاع أغاني هابطة)..! قال متحدثاً عن إحدى القعدات التي تم إحضار خمور درجة أولى بها: فلمَّا شربناها ودبَّ دبيبها إلى موضع الاسرار قلت لها قفي مخافة أن يسطو عليّ شعاعها فيطلع ندماني على سري الخفي..! وذلك لخوفه من افتضاح أسراره إذا دار رأسه وغاب عقله.. وقد تمكن بفضل هذه (الآلية) من اكتشاف أسرار الآخرين من ندمائه الذين كان (راسهم خفيف)..! { ومن ذلك أذكر - ونحن أطباء امتياز في قسم الجراحة بمستشفى أم درمان التعليمي - أنه تم إحضار أحد (التعلمجية) وقد فاجأه ألم بطن حاد أثناء (حصَّة البيادة)، وبالكشف عليه اتضح وجود التهاب بالزائدة الدودية، وبعد بداية (التخدير) فؤجنا به يصيح بصوت جهور: (إنت هناك يا مستجد.. أمنع الكلام.. على اليمين معتدل مااااااااارش)..! ولم تسكته إلا جرعات البنج اللاحقة التي ساعدتنا في إكمال العملية..! { وهناك مريض آخر كان قد تعرض لكسر في يده، ولسوء الحظ ذهب لأحد الذين يدعون أنهم (بصراء) - وما أكثر (البصراء) عندنا في كل مجال في هذا البلد - وقد حدثت له مضاعفات وأردنا عمل إرجاع للكسر تحت البنج العام.. وفعلا أدخلنا ذلك الرجل الوقور للغرفة.. وما هي إلا دقائق حتى صار يقول بصوت خفيض ورقيق: (تعالي جنبي يا سارة.. شوفي جبتا ليك شنو)..! وعند الخروج من غرفة العمليات وجدنا زوجته التي لم يكن اسمها «سارة» طبعاً..! { ومن أغرب وأطرف المواقف في هذا المقام، ما حدث لأحد الزملاء وقد تعرض هو نفسه لالتواء في المصران، فتم إدخاله غرفة العمليات، وكان ضمن طاقم العملية إحدى الزميلات، ويبدو أن صاحبنا كان متيما بهاً ولكن في صمت (ما قادر أقول وما قادر أصرِّح)..! وما أن سرى فيه التخدير حتى أطلق لسانه بعبارت الوجد واللوعة والهوى.. وصار كأنه «ابن زيدون» يبث وجده وهواه إلى «ولادة بنت المستكفي»..! الجميل في الأمر أن تلك الزميلة شعرت بصدق زميلنا وأُعجبت بخجله وأدبه.. وبعد الشفاء تمت المكاشفة وانتهى الأمر نهاية سعيدة.. وبنات وبنين.. (يعني لو ما كان المصران دا اتلوى.. ما كان الموضوع تمَّ)..! { هذا.. ولكم مني كل التحية والتقدير.