هناك جملة مصطلحات وعبارات خرجت من أفواه وأقلام السياسين والإعلاميين السودانيين في أوقات مختلفة صارت تجري مجرى الأمثال أو الأقوال المأثورة وأصبحت ذات دلالة ورمزية في قاموس السياسة بالبلاد، كوصف الزعيم الأزهري للاستقلال ب «صحن الصيني لا فيه شق لا طق»، أو مقولة السيد عبد الرحمن المهدي «لا شيع ولا طوائف ولا أحزاب، وطننا السودان وديننا الإسلام» ومؤخرا سؤال الراحل الطيب صالح الاستنكاري حول رجال الإنقاذ ««من أين أتى هولاء؟» وقبلها العبارة التي كشفت «أم» الخفايا التي جاءت على لسان الدكتور الترابي «اذهب للقصر رئيسا وأنا للسجن حبيسا» ومن العبارات السؤال الذي طرحه الضابط برتبة العميد وقتها ورئيس تحرير جريدة القوات المسلحة مع بدايات الإنقاذ بعد انقلاب يونيو 1989 والخبير الإعلامي والأكاديمي بالجامعات الماليزية الآن «الدكتور محمود قلندر» في مقالة افتتاحية كأنه يجيب فيها على تساؤلات عن هوية الانقلابيين السياسية والحزبية: «هل هولاء الرجال جبهة؟» في المقابلة أدناه نتجاذب أطراف الحديث معه حول عدد من قضايا الإعلام وعلاقاتها بالسياسة والحكم والمجتمع وعن المقال المذكور. { نبدأ معك حول الدور المطلوب من الإعلام في أيام الانتخابات ؟ يمكن أن يكون الإعلام هو احد الأدوات الأساسية التي تسهم في نجاح التجربة التي نقبل عليها لأن الاعلام يستطيع ان يصبح الاداة الحقيقية الموصلة لآراء وافكار ومواقف المنتخبين والمرشحين وبالتالي يمكن أن تسهم بأن تضع لبنة لأساس عمل ديمقراطي حقيقي . مشكلة المشاكل في هذا الأمر اننا لا يمكن أن نتحدث عن الحيادية وذلك لأن مفهوم الحيادية نفسه هو مفهوم يصعب تطبيقه على الانسان، فأي انسان له ميوله وله خياراته ولا يمكن ان نتصور اي انسان يمكن ان يتعامل مع هذا الأمر ، بدون هذا الميل الإنساني لكن المطلوب خاصة من الصحفيين والإعلاميين ان يرتفعوا الى مستوى المسئولية التي نسميها المسئولية الاجتماعية وفكرتها ان يكون الصحفي ملبياً لاحتياجات مجتمعه فيما يتعلق بمسئوليته كصحفي طالما انه في موقع يستطيع فيه ان يؤثر على الرأي والموقف، يصبح مهم جدا أن يكون الصحفي على قدر المسئولية الاجتماعية بتقديم الرأي حتى اذا كان هذا الرأي مخالفا لقناعاته الشخصية وطالما كان المنبر الذي يعمل به منبرا عاما ولكن في نفس الوقت للصحفي الحق بأن يتخذ موقفا . وأخطر ما في هذا الأمر ان تقوم اي جهة او مؤسسة بعملية وضع الأجهزة الاعلامية في مصلحة مؤسسة حزبية او مواقف حزبية من خلال قدرتها على التأثير على الآخرين دون ان يعرفوا ذلك، أعني استغلال الاجهزة الاعلامية او القلم لمصلحة هذا الحزب او ذاك، وطبعا يمكن أن يحدث ذلك بواسطة الناس الذين يعرفون ما يسمى بكيفية التأثير من خلال الاقناع والعمليات النفسية المتداخلة في هذا الامر، فاذا كان هناك من لديهم مثل هذه القدرة يصبح باستطاعتهم القدرة على استغلال الاجهزة الاعلامية القومية وغير القومية لمصلحة حزبية ضيّقة. انا اعتقد ان هذا يمكن ان يكون من اخطر ما يواجه التجربة التي امامنا .. لكن في تقديري ايضا وبما رأيت وبما اعرف من الاعلاميين والزملاء بوجود رغبة حقيقية وسط الكل بأن يرتفعوا الى هذا المستوى سعيا للخروج بهذا البلد من الواقع الى ممارسة سياسية سليمة واضحة هدفها النهائي خدمة الانسان السوداني و لن يحدث هذا اذا الا اذا تكاملت الادوار واهمها دور الاعلام . الصحافة الحزبية هل تطالب بأن تكون محايدة ؟ اي مؤسسة حزبية في نظام او أي حزب في نظام ديمقراطي من حقه ان يخاطب الجماهير ومن حقه ان يبلغ رسالته للناس، ولن يتأتى ذلك الا من خلال جهاز اعلامي وذلك بحسب قدرات المؤسسات الحزبية، فاذا كانت هناك مؤسسة لديها القدرة بأن يكون لديها اذاعة او تلفزيون فمن حقها .. لكن طالما في نهاية الامر هي حزبية لابد ان يكون واضحا جدا ان هذا الجهاز هو جهاز حزبي ولهذا السبب نجد ان الصحف الحزبية مطالبة دائما ان تقول انها «لسان حال كذا» هذه العبارة عبارة مطلوبة دائما ونحن مشكلتنا الحقيقية هي المواربة في استعمال الاجهزة الاعلامية من وراء حجاب، هذه هي المشكلة الاساسية.. الصحافة الحزبية معروفة بصحافة «الموقف» وفي هذه الحالة هي تدافع عن موقف معين او رأي حزب معين او موقف سياسي بالتالي صحافة المواقف هي صحافة حزبية ومن حقها ان تكون كذلك. فقط اعتقد انه من المهم ان الصحافة الحزبية لا تتوارى خلف اي مؤسسات ذات طابع قومي او مؤسسات محايدة { وهل يتعارض ذلك مع المهنية ؟ لا كيف ؟ لابد ان تكون مهنية ولكن لا تنسى انها صحافة حزبية او صحافة مواقف او مرافعة عن موقف او قضية ويبقى من حقها ان تقول ذلك ومن حقها ان يكون لديها الصوت الذي من خلاله ترفع قضيتها وتترافع عنها .. لكن في اطارها لابد من الالتزام بأساسيات مثلا لا يمكن ان تتجاوز إلى السباب او ان تتجه الى الكذب وكل هذه الاوصاف معروف في عرف الاعلامي انها محرمة .. لكن ان تشير الى اخطاء الحزب الآخر او السياسي الآخر فهذا من حقها لكن ذلك لا يجّوز الكذب ولا الاساءة ولا ان تبالغ من اجل الإثارة .. { هناك صحفيون عديدون دخلوا سباق الانتخابات التي تجرى الآن هل يتعارض التعاطي مع السياسة والادوار المهنية للصحفي او الاعلامي ام لا ؟ لا اظن .. لأن ذلك يعتمد على اين يقف الصحفي .. تاريخيا في السودان الصحافي والسياسي صنوان وربما أن معظم السياسيين السودانيين بدأوا حياتهم بالعمل الصحفي لكن هذا في اطار فترة من الزمان وفي اطار موقف حزبي معين وبعض الصحفيين نموا في اطار بيئة حزب لكنهم في النهاية انشطروا واصبحوا قوميين، والعكس ايضا يمكن ان يحدث بأن يكون هنالك صحفي تبنى موقفا سياسيا معينا وصار يتبع لحزب سياسي كمواطن عادي .. وبهذا الفهم يصبح من حق الصحفي ان يقرر ممارسة السياسة كمستقل او تحت لواء حزب . { بعد ميلك من مزاولة الصحافة اليومية الى الاكاديميات والبحوث هل تشعر ان بحوث الاعلام والميديا قريبة من الواقع وتعالج قضاياه ام هي بعيدة عنه وتجنح الى التنظير ؟ انا اشرفت على بحث للدكتور محمد بابكر العوض الذي بحث عن العلاقة بين التطور الاتصالي في العالم وبين مجتمع المعرفة وكيفية استغلال هذا التطور لصالح عمليات الاتصال والتواصل وهذا النوع من البحث يتحدث عن واقعنا اليوم ويشير الى بعدنا الكبير مما يحدث في العالم من حولنا. واعتقد ان في ما اطلعت عليه وشاركت فيه من بحوث كثيرا يرتبط بالواقع. وفي العام المضي كذلك شاركت في بحث تناول الصحافة السودانية ودورها في تطور قضايا السلام في السودان. سؤال اخير محرج .. لو استدبرتَ من امرك ما استقبلتَ هل كنت ستكتب تلك المقالة « هل هولاء الرجال جبهة؟ « على صحيفة القوات المسلحة التي كنت تترأس تحريرها مع بدايات انقلاب الانقاذ ؟ بعد كتابتي للمقال المذكور الطلاب الشيوعيون في الجامعة كتبوا في صحيفتهم ساخرين « نعم هولاء الرجال ليسوا جبهة ايها السيد العميد .. لكن الجبهة هي هولاء الرجال». وانا لو استقبلت من امري ما استدبرت قد لا تكون هناك حاجة لهذا السؤال ... ما دفعك الى هذا السؤال الواقع الذي كان موجودا في ذلك الزمان وواقعي انا كضابط في القوات المسلحة في ذلك الوقت .. وبالمناسبة انا سئلت عشرات المرات عن هذا المقال لكن اقول ان الوقت الذي ابين فيه هذا الامر لم يأت بعد ولكن من يقرأ المقال المذكور جيدا يمكن ان يتعرف على موقفي بصورة واضحة جدا فأنا قلت فيه من جملة ما قلت : «إنه لا ينبغي أن تدخل المؤسسة العسكرية في الدولة في ما هو حزبي»