النطق غير السليم للغة العربية لا يقلل أبداً من قيمة المرء ومكانته ولا ينتقص أبداً من سودانيته.. وقد نُسب الى وزير المالية الأسبق عبد الوهاب عثمان قوله.. (موش شرط الواحد يعرف عربي).. والمطلوب من الوزراء والمسؤولين عموماً أن يكونوا أكفاء منجزين نزيهين.. واللغة العربية لغة جميلة وكان العقاد يسميها اللغة الشاعرة وهي لغة القرآن ولغة أهل الجنة. وهي أحد أهم عوامل وحدتنا الوطنية..والخ. لكن إجادتها ليست شرطاً لتولي المناصب. ويفيد كثيراً أن يكف السودانيون العرب عن التهكم على نطق الآخرين الخاطئ للغة العربية.. وكان من هؤلاء المتهكمين رئيس الوزراء الشهير الاستاذ الشاعر المحامي المهندس محمد أحمد محجوب الذي سخر ستينيات القرن الماضي من نطق زعيم المعارضة أحمد ابراهيم دريج لكلمة القروض. ومنهم الكاتب السكرتير الصحفي السابق لرئيس الجمهورية الزميل محجوب فضل بدري، الذي سخر من نطق عبد الواحد محمد نور لكلمة شعبي.. ومرة كتب الاستاذ حسين خوجلي عن الرئيس نميري قائلاً ما معناه.. لقد تعلم موش عارف إيه بعد عجمة.. وكأن في العجمة ما يعيب.. فالدناقلة والنوبيون عموماً يعتزون برطانتهم التي كانت لغة مكتوبة يتحدثها الشعب الخالد في كوش ونبتة ومروي وما زالوا يتحدثونها.. والفور والزغاوة غرباً.. والدينكا والشلك والنوير جنوباً والبجا شرقاً وعشرات القبائل في سائر أرجاء السودان ترطن.. وفي نفس الوقت فإن كثيرين منهم وربما معظمهم تحدثوا ويتحدثون العربية وبمحض اختيارهم. ولقد تفوق هؤلاء «العجم» السودانيون من كاشتا وبعانخي وترهاقا في اللغة العربية كتابة وحديثاً.. وشعراً ونثراً وغناءً، فكان منهم جمال محمد أحمد والدكتور محيي الدين صابر والشاعر محيي الدين فارس وخليل فرح ومحمد عثمان وردي والبلابل.. وما أطول قائمة (الرَطَّانة) الذين أضافوا الكثير للغة العربية وزادوها جمالاً.. والإمام المهدي شخصياً كان يرطن. ونحن مطالبون باستمرار بأن نفعل كل ما من شأنه أن يجعل الوحدة جاذبة.. ومنه إلا نستفز غير العرب بنطقهم الخاطئ للغة الخالدة.. والاستعلاء اللغوي يضر ولا ينفع ويجب ألا يغيب عن أذهان العرب أن كل الأعراف في الكرة الأرضية تعتز بلغاتها.. مع التسليم التام بأن اللغة العربية هي الأكثر تأهيلاً واقتداراً على أن تصبح لغة كل السودانيين.