لكل مجتمع عادات وتقاليد يتفرّد بها. ولكن في غرب السودان بل في أجزاء واسعة من كُردفان ودارفور، هناك عادة ممتدة لأكثر من ألفي عام تقوم بها الزوجات في صمت، ويستفيد منها الأزواج في صمت أيضاً. وكثيراً ما كان عدم الإلتزام بها سبباً في طلاق الزوجة، إلا إذا حالت دونها ظروف اقتصادية قاهرة، أو في الفترة من (1983-1985) سنوات الجفاف والتصحُّر التي ضربت السودان وعانى منها مواطني الإقليمين بصفة خاصة. هذه العادة تتلخص في قيام الزوجة (أي زوجة دون تحديد) بإعداد شوربة دجاج أو ضأن أو (تحمير) دجاجة بطريقة المنطقة وتسمى فيما بعد (جِداد مركّب) أو (جداد مكرفّس)، وتمنع الزوجة حتى أولادها مهما كانوا عن تناولها، فهي تُخفيها عنهم تماماً وتضعها في (المشلعيب) - وهو شبكة من الحبال تُعلّق فيها (الدُوراية) وهي بمثابة حلة المُلاح، أو (البُرمة) وهي لصناعة العصيدة. تخفيها حتى لا تتخثّر أو يصلها النمل أو الصبية، وتقوم بوضعها مساءً بجانب إحدى قوائم (عنقريب) زوجها حتى قبل أن يأتي. وفور وصوله يقوم بتبديل ملابسه ويؤدي صلاة العشاء إن كان لم يدركها في المسجد ثم يؤانسها وتؤانسه وبعدها يتناول هذه الوجبة الخاصة جداً ويطلق عليها أهل كُردفان ودارفور العديد من الأسماء ومنها (أم ورانيّة) أي أنها تأتي وراء الوجبات الثلاث المعروفة (الفطور والغداء والعشاء)، فيما يَعرف أهل القرى وجبتين فقط هما الفطور والعشاء، والأخير يتم تناوله في (الضرا) حيث يجتمع رجال (الفريق) كلٌ يحمل (قدحه) الممتلئ بعصيدة الدخن ومُلاح التقلية أو الروب أو دمعة الدجاج أو لحم الضأن وغيرها من (مُلاحات) المنطقة العديدة والمتعددة. ويُطلق على هذه الوجبة اسم (كُراع عنقريب) لأنها توضع بالقرب من إحدى قوائم عنقريب الزوج المحازية لوسادته، بينما يسميها مثقفو دارفور وكُردفان من (الأفندية) والضباط والمحامين والأطباء والأعيان (الدعم الخارجي)، و(المعنويات). (الأهرام اليوم) استطلعت عدداً من الأزواج حول (أم ورانية) فماذا قالوا؟ ٭ محبة المطرب الدارفوري المعروف أحمد شارف قال: إن لهذه الوجبة مفعول السحر في نفس الزوج لأنها تُثبت له أن زوجته مهتمة به رغم مشاغلها مع أطفالها وتعمل على سد (جوعة) الليل خاصة في موسم الشتاء. ولكن بعض زوجات الألفية الثالثة أهملنها ربما بسبب الظروف الاقتصادية وافرازات الحرب الأهلية في الإقليم، وربما اعتبرتها زوجات اليوم شيء من التخلُّف وتأكيداً لسيطرة الرجل، فقررن مقاطعتها. ً٭ ضمان : أما جعفر الكُردفاني فقد طالب جميع الزوجات في السودان بتعلُّم هذه العادة إن كُنّ يرغبن في الاحتفاظ بأزواجهن مدى الحياة. وأضاف أن قبائل شتى في كردفان ودارفور تقوم نسائها المتزوجات بالمحافظة عليها ووصفها بالسلوك النسوي القويم. ٭ يجب بترها: عبد العزيز أبو مريم قال إن والدته قبل أربعين عاماً تم طلاقها بسبب إهمالها ل(أم ورانية). ومنذ ذلك الوقت كرهها ولم يقبل بها في منزله حتى اليوم وهو زوج لأربع زوجات ورزقه الله 22 طفلاً. وأضاف أعتبر هذه العادة من السلوك الحيواني لا غير. ٭ 35 سنة: فيما أعتبرتها الميرم أم حقين كجزء من واجبات الزوجة، وقالت إن كل امرأة لا تحافظ على صحة زوجها بالأكل الجيّد المُغزي، لا تستحق أن يُطلق عليها لقب زوجة. وأبانت أن والدتها أوصتها بها يوم زفافها قبل أكثر من 35 عاماً ولم تتركها يوماً وأن زواجها مستمر بالرغم من أن زوجها تزوج عليها مرتين ولكنه طلقهما وهو الآن خالص لها. ٭ فقري: ميمونة حمدان قالت إن التوادد والاحترام أهم من هذه الوجبة. وأضافت إذا كان الزوج من النوع (الفقري) فإن كل (حِلل) العالم لا تجعله مرحاً وبشوشاً. وأشارت إلى أنها تلتزم بها كمظهر اجتماعي فقط.