يجب في الفترة القصيرة الممتدة من الآن إلى يناير القادم أن نوظف قصارى إمكانياتنا ومواردنا ومواهبنا في عمل كل ما من شأنه أن يأتي بنتيجة الاستفتاء في صالح الوحدة. إن الانحياز للوحدة هو مسؤولية وواجب كل السودانيين ولكن للجنوبيين مسؤولية خاصة بحكم أن الاستفتاء قاصر عليهم. ولأن الحركة الشعبية هي التي تحكم الجنوب، ولأنها هي التي فازت في الانتخابات، فإن مسؤوليتها في المحافظة على وحدة السودان أكبر من مسؤولية غيرها! وهي إذا كانت فعلاً حركة وحدوية تستهدف إعادة صياغة السودان ببناء آخر جديد بدلاً من ذلك القديم وتحريره من التهميش وهيمنة بعض أبنائه على بعضهم؛ فإنها يجب أن تسخِّر موارد حكومة الجنوب وأن تستغل تأثير السلطة على المواطنين بإقناعهم بضرورة الوحدة. فالحزب الذي يريد بناء السودان الواحد الجديد فاز في الانتخابات، إذن فالنتيجة المنطقية هي الوحدة. ويرى البعض أن الحركة الشعبية بحكم التفويض الشعبي تستطيع أن تؤكد الوحدة من داخل البرلمان المنتخب وتنتفي بذلك الحاجة إلى الاستفتاء. وهنالك سابقة في تاريخنا الحديث مع بعض الفوارق، فقد أعلن الاتحاديون منتصف خمسينيات القرن الماضي الاستقلال من داخل البرلمان ولم يأبه أحد للاستفتاء الذي كان متفقاً عليه. وصحيح أن الاتحاديين بذلك تنكروا للشعارات التي خاضوا بها انتخابات الحكم الذاتي في نوفمبر 53 لكن الحركة الشعبية عندما تؤكد - من داخل البرلمان المنتخب في الجنوب - وحدة البلد؛ تؤكد بذلك انسجامها مع الأفكار والمبادئ التي طرحتها منذ تأسيسها عام 83، التي جعلت بعض الشماليين ينضمون إليها. ولكن إذا جاءت نتيجة الاستفتاء في صالح الانفصال أو إذا أعلنت الحركة الشعبية الانفصال من داخل برلمان الجنوب فإن أهم ما يعنيه ذلك في هذه الحالة هو أنها حركة انفصالية أخفت حقيقة توجهاتها طوال هذا الوقت، ويصبح على الجميع أن يتعاملوا معها على هذا الأساس بمن في ذلك الوحدويون الحقيقيون داخل الحركة الشعبية. ويبقى العمل على استمرار وحدة السودان وترسيخها وجعلها مرة ثانية أهم ثوابت البلد ممكناً ومشروعاً. والموقف الأسلم هو بدلاً من تشجيع خوض تجربة غامضة وخطيرة بتقسيم السودان إلى دولتين ثم العمل على جمعهما معاً في دولة واحدة، هو أن نحول بالديمقراطية طبعاً وبالحوار وبالتجرد الوطني بين أنفسنا جنوبيين وشماليين وبين الوصول إلى ذلك المنزلق، بدلاً من ذلك علينا أن نجعل الوحدة هي الاختيار الوحيد وهو عمل شاق والوقت ضيق لكن شعبنا العظيم سوف ينتصر، والانتصار هو استمرار وحدة السودان وكل ما عداه هزيمة مجلجلة لكل الأطراف.