تقول إحدى الروايات إن القاضي بابكر عوض الله هو الذي اختار وزراء الحكومة التي رأسها في الفترة من مايو 1969 إلى أكتوبر من نفس العام، وأن وزيراً واحداً فقط هو الذي اختاره العقيد أركان حرب جعفر محمد نميري الذي أصبح رئيساً لمجلس قيادة الثورة وذلك الوزير هو أحمد الطيب عبدون. ولم يكن الرجلان .. نميري وعوض الله شيوعيين ولم يكن صناع مايو الأساسيون الآخرون، وفي المقدمة منهم الرواد خالد حسن عباس، وأبوالقاسم محمد إبراهيم، وزين العابدين محمد أحمد عبدالقادر، ومأمون عوض أبوزيد، لم يكونوا شيوعيين وفاروق حمد الله الذي كان رائداً متقاعداً لم يكن شيوعياً. لكنهم كانوا وطنيين وكانوا يحملون أفكاراً يسارية تقدمية وكانوا جمعياً وإن تفاوتت الدرجات يحملون إعجاباً كبيراً بالرئيس المصري جمال عبدالناصر وبتجربته. ومن الغريب أن هزيمة عبدالناصر الضخمة في يونيو 1967م لم تؤثر سلباً على ذلك الإعجاب. والحقيقة أن شعبية عبد الناصر داخل السودان كانت واسعة كاسحة.. فقد كان السودانيون يساراً ووسطاً ويميناً يحترمونه ويقدرونه ويحبونه. وتجلى ذلك أسطع ما يكون التجلي في استقبالهم الخرافي له في أغسطس 67 عندما جاء إلى الخرطوم قائداً وفد بلاده للقمة العربية، ولكن لم يكن هناك في ذلك الوقت حزب ناصري أو قومي عربي أو اشتراكي عربي يعتد به في السودان. فقد كان الحزبان الكبيران هما الاتحادي والأمة. ولكن كان هناك يسار معتبر في الجامعة والقوى الحديثة والمدارس الثانوية وكانت أكبر قوى هذا اليسار هي الحزب الشيوعي السوداني. ولذلك كان طبيعياً أن يفكر ثوار مايو وأن يحرصوا على اشراك الشيوعيين معهم في الحكم.. لإعطاء الإحساس بأن الشارع أو بعضه معهم. ورغم ذلك فإن الألوف الذين خرجوا إلى الشارع صباح، يونيو 69 هاتفين للنظام الجديد لم يكونوا كلهم شيوعيين، ولو كانت جماهير الحزب الشيوعي بتلك الكثافة لانعكس ذلك على عدد نوابهم في الجمعية التأسيسية. إن خروج جماهير العاصمة المثلثة بالألوف صباح يونيو 69 لتحية وتأييد النظام الجديد كان دليلاً على أنهم يئسوا من النظام الديمقراطي الطائفي.. وأن آمالهم أصبحت معلقة على ذلك النظام الجديد الذي يقوده أولئك الضباط الشبان والقاضي بابكر عوض الله. وفي نفس الوقت فإن خروج العاصمة المثلثة ذلك الصباح طمأن صناع مايو على أن الشعب معهم وأنهم قادرون على إبعاد الحزب الشيوعي الذي كان ممثلاً بعضوين في مجلس قيادة الثورة هما الرائد هاشم العطا والمقدم بابكر النور وببعض الوزراء من أمثال محجوب عثمان وفاروق أبوعيسى وقرنق. وقد تحقق ذلك فعلاً «وعكس» المايويون الآية وبدلاً من أن يصبحوا هم المغفلين النافعين أصبح الحزب الشيوعي السوداني بجلالة قدره هو المغفل النافع (مع الاعتذار على استخدام هذا المصطلح).